بقلم: محمد علي لعموري
رهاب المثلية هو هاجس يمتزج فيه الخوف بالكراهة تجاه الأشخاص ذوي الميولات الجنسية والعاطفية المثلية.
ويصطلح على تسمية نفس الشخص بالمثلوفوبي كنانة مأخوذة من المصطلح الفرنسي Homophobe، وهذا الوصف يختزل شعورا سلبيا يترجم إلى تمثلات فردية وجماعية، وإلى أقوال وأفعال تستهدف ضحاياه من أفراد مجتمع الميم(1).
إن المثلوفوبيا جزء من ثقافة مجتمع يرفض الاختلاف على أساس النوع الجندري، والميول الطبيعي المرفوض سوسيولوجيا، أي المصنف ثقافيا خارج الإطار. ذلك أن القولبة التي درج المجتمع على العيش داخل بوثقتها، والتي تحاط بهالة من التقديس والتوقير والتواضع من طرف أدعيائها، ومن يحدو حدوهم من الأتباع والأشياع ومجتمع الرعاع، هي التي تفرض نمذجتها على الفرد باسم المقدس الجماعي الذي يمتح في اغلب الأحيان من الدين المهيمن، ومن دوغمائية حراس تلك الثقافة الدينية الممجدة للذكورة وللتراتبية الفقهية ذات التوجه الصارم في تفسير النصوص والتلاعب بها لصالح الفئوية المهيمنة ضدا عن أي تواجد أقلوي لفئة تعاكس هذا النمط من التوجه السائد، أو تريد العيش داخل مجتمع مع رفض قولبته الثقافية تلك.
يقال على سبيل التنكيت المتصل بمجموعة من تمثلات مجتمع تعكس ثقافته القائمة على التجارب وعلى النصوص معا، أن “من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم”. مقولة لها ما يسندها من جهة التحليل السوسيولوجي، لكنها بالمقابل يتم التعامل معها بنوع من التعميم والتطبيع الأعمى مع معناها المتداول بشكل واسع بين الناس.
ولعل المعاشرة لمدة لا بأس بها قد تكسب المرء عادات جديدة تنصهر وتندمج مع بقية ما اكتسبه سابقا من تجارب في مرحلة مبكرة من حياته، ومع ذلك تكتسي كل مقولة نسبيتها في الزمان والمكان.
والسؤال كيف يكتسب المرء عداء من شخص أو من جماعة ما في ظرف وجيز ليصبح جزءا من ثقافة الجماعة التي يمثلها أو ينتمي إليها؟
المغاير جنسيا Hétérosexuel كما يشاع على فئة عريضة وأغلبية سائدة في مجتمع ما، هو ذلك الذي يتلبس سلوك الجماعة ويتبنى خطابها، وينهج منهج الهجوم على سواه من المثليين، لأنه لا يسعه سوى أن يستنكر ليظهر الولاء والانتماء حتى لو كانت له لقطات مخطوفة من عمر النفاق، ومن عمر الانتماء بلا اقتناع تام، ولهذا فالذي يعاكس توجهات فئة من مجتمعه لأنها ليست على نمط التوجه العام للميول الجنسي المفروض والمتبع والسائد، إنما يفعل ذلك لأنه تلقى منذ حداثة سنه، أن الجنس هو الذكر تتبعه الأنثى، وأن الميول الجنسي هو ذاك الذي يتمخض عنه إنجاب، وبالتالي فالذكر هو ذاك الرجل المقيد بثقافة أن يتزوج لينجب من أنثى هي بمثابة وعاء للوطء والحمل وتربية النسل على نفس النمط المؤطر لاهوتيا وسياسيا وقانونيا واجتماعيا.
ولهذا فحين طرحنا سؤالا استنكاريا عبثيا من حيث دلالته كعنوان لهذا المقال، إنما كان قصدنا نقد الإطار الذي تتحرك داخله كل علاقة بين الجنسين من جهة، وبين نفس الجنس أيضا، الأولى مؤطرة بتقليد إيديو-سياسي، والثانية مصادرة بنفس التقليد، ومهمشة ومركونة على هامش الثقافة، أي أنها ترتع في محيط ثقافة مهيمنة، ثقافة ذكورية بامتياز..
كيف نتعلم نحن البشر أن نكره الآخر المنتمي لنفس ثقافتنا لكنه يعيش اختلافه رغما عن سيادة الرفض والاقصاء من جهة نفس الثقافة؟
إننا نسوغ كراهيتنا بدوافع نعتقدها تدخل ضمن مجال المقدس، وبالتالي فهي من وجهة نظر تضليلية ومضللة، مبررة ومسنودة لاهوتيا وثقافيا وحتى قانونيا !!
وما العنف الذي يتجلى داخل المجتمع ضد المثليين إن هو إلا هذه الثقافة الذكورية وقد عبرت عن كمية العنف الكامن فيها كلما انتصب القوم ينطقون باسمها لتسويغ تجاوزاتهم ضد حرية الغير.
أعتقد أننا قد نتعلم العنف ضد المثلية منذ أن يتم تفريق الولد عن البنت على أساس الجنس وتعالي قيم الذكورة بترسيخ الأفضلية الذكورية وقداستها، وهكذا فحين يتم بروز نمط التعدد والاختلاف ليطال جوانب تزحزح رسوخ الذكورة في لاوعي الفرد والجماعة، تتجند هذه الأخيرة لتقويض هذا التململ وهذا الانزياح حتى لا تتسع رقعته ليصبح جزءا من واقع معطى، وبالتالي يصبح لا مناص من الاعتراف به يوما كما يحدث في بلاد الغرب حيث يتعايش مجتمع الميم داخل مجتمع الذكورة وفق قواعد ديمقراطية تمتح من فلسفة حقوق الإنسان الراسخة والتي منها تنبثق حقوق المرأة، وحقوق المثليين والمثليات والعابرين والعابرات والمتحولين والمتحولات، وحقوق الأقليات، وحقوق الحيوان، وحقوق الجماد أيضا.
(1): مجتمع الميم سبق وشرحناه في مقال سابق على أنه خليط من المثليين والمثليات، مزدوجي الجنس والمزدوجات، والمتحولين والمتحولات، والعابرين والعابرات…وهو مزيج يدل عليه شعار الفخر الذي يرفعه أفراد هذا المجتمع ( علم بألوان قوس قزح) للدلالة به على عقيدة الدفاع عن وجودهم وعن الاختلاف الذي يعكس فلسفتهم في العيش والتعايش بعيدا عن ثقافة العنف باسم الواحد.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=15462