سعيد الكحل
تتداول المواقع الاجتماعية فيديو لشابين مغربيين يتفوهان بعبارات كلها حقد وكراهية وشماتة بالمهاجرين المغاربة في أوربا ، وخاصة الدول التي ينتشر فيها وباء كورونا.
فيديو أبعد ما يكون عن الوطنية والثقافة المغربية التي يلخصها المثل الشعبي الدارج”يدّك منك وخا تكون مجدامة”. فهم أبناؤنا وأهلنا مهما كان الأمر . مضمون الفيديو أن أصحابه يسْخرون من مغاربة المهجر المحاصرين في دول الاستقبال ويشمتون بهم ويدعون عليهم بالموت هناك خصوصا بعد أن أغلق المغرب حدوده البرية والبحرية ومجاله الجوي في وجه كل الوافدين من الخارج مواطنين وأجانب كإجراء احترازي اعتمدته كل الدولة الأوربية قصد تطويق انتشار وباء كورونا.
وبقدر الغيظ والاشمئزاز اللذين يثيرهما الفيديو لدى كل مواطن غيور على وطنه وشعبه ، بقدر التشديد في الطلب من النيابة العامة بفتح تحقيق في الموضوع ومتابعة الفاعلين بتهم منها التحريض على الكراهية والتشهير بالمواطنين. وأضطر إلى تذكير الفاعلين بالآتي :
1 ــ إن المغرب وطن لجميع المواطنين ، سواء كانوا مقيمين بدول المهجر أو بأرض الوطن. وطن يسع جميع أبنائه وضيوفه بغض النظر عن اختلاف الديانة أو اللهجة أو العرق. فجائحة كورونا فرضت على الدول إغلاق حدودها حتى في وجه مواطنيها الذين صادفهم قرار الإغلاق خارج أوطانهم.
2 ــ إن الدستور المغربي يضمن لجميع المواطنين المغاربة الحق في التنقل داخل الترابي الوطني والعودة إليه في الفصل 24 كالتالي: “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”. وأي دعوة إلى منع المغاربة من العودة إلى وطنهم هي خرق للقانون واعتداء على سلطات الدولة وصلاحية مؤسساتها الدستورية التي لها وحدها الحق في البت في أمر العودة إما لأسباب أمنية أو طبية كما هو واقع الآن بالنسبة لعدد من المغاربة العالقين في عدد من الدول الأجنبية بعد أن قررت إغلاق حدودها ومجالها الجوي.
3 ــ إن الشعب المغربي يعيش لُحمة وطنية قوية بين كل مكوناته لمواجهة خطر الوباء وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية. والفيديو إياه هو صوت نشاز لا يستهدف فقط مواطنينا بالمهجر ، بل أساسا الشعب المغربي برمته في لحظة تاريخية جد دقيقة تستهدف تكثيف الجهود ودعم مقومات هذه الوحدة وتقوية الثقة بين المجتمع والدولة حتى نتجاوز هذه الظرفية بأقل الخسائر البشرية والمادية الممكنة . من هنا كانت غاية أصحاب الفيديو التشويش على جهود الدولة والمجتمع التي جسدها ، من جهة ، الالتزام الواسع للمغاربة بالتوجيهات الرسمية المتعلقة باحترام الحجر الصحي ، واستنكارهم الشديد لكل محاولات خرق الحظر الصحي من طرف بعض الأطراف المشبوهة ، ومن أخرى التفاعل الإيجابي والاستجابة الطوعية لفئات كثيرة للدعوة الملكية إلى المساهمة المادية في صندوق التضامن الذي تم إحداثه لغاية مواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا .
4 ــ إن وراء الفيديو بالإضافة إلى مشاعر الحقد والكراهية من أشخاص فاشلين واتكاليين لا يحبون الخير لوطنهم ومواطنيهم ، تنكّر وإنكار لجهود أفراد الجالية المغربية في دعم اقتصاد وطنهم بالعملة الصعبة والمشاريع الاستثمارية على محدوديتها ، إذ بلغت تحويلاتهم حوالي 7.4 مليار دولار، سنة 2018، أي ما يمثل نسبة 6.2 % من الناتج الداخلي الخام ، وفق ما كشفته أرقام البنك الدولي في تقرير له حول التحويلات المالية للمهاجرين اتجاه بلدانهم الأصليين. لهذا ، كان من المفروض في أصحاب الفيديو أن يغلّبوا حسهم الوطني ويحكّموه في تصرفاتهم بدل الخضوع لمشاعر الحقد والشماتة.
لدى كل الشعوب ، وحين الأزمات، تنتصر الروح الوطنية على كل النزعات الذاتية أو الطائفية ، وتذوب الخلافات كما تخبو الصراعات حماية للوطن ودفاعا عن مصالحه العليا. وهذا هو المطلوب من جميع المغاربة في هذه الظرفية الدقيقة التي هي ظرفية حرب تقتضي وحدة الشعب بكل مكوناته . إذن ،من الواجب علينا جميعا التصدي ، كل من موقعه، لمثل هذه العناصر الموبوءة التي تتجاوز خطورتها خطورة وباء كورونا.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7502