سعيد الكحل
تفاجأ المغاربة بالرسالة التي وجهتها ثلاث هيئات تمثل مؤسسات التعليم الخصوصي إلى رئيس الحكومة تطالبه فيها بالاستفادة المباشرة من الأموال المحصل عليها من تبرعات المواطنين والنقابات والمؤسسات التشريعية والقضائية والأمنية ورجال الأعمال لفائدة صندوق التضامن ضد فيروس كورونا الذي أحدثه جلالة الملك لمواجهة التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الجائحة.
إذ في الوقت الذي تتعبأ فيه كل فئات المجتمع ومؤسساته للتعبير عن حسها الوطني وترجمة قيم التضامن والتعاون التي ميزت الشعب المغربي عبر تاريخه العريق ، يخرج مصاصو الدماء وعديمو المروءة والأخلاق والوطنية عن الإجماع الوطني والتضامن الرسمي والشعبي للمطالبة بحصة من أموال التبرع وكأنهم ضحايا حقيقيين للوباء مثلهم مثل الوحدات الإنتاجية والمقاولات والمقاهي والحمامات.
لم يكن المغاربة يتوقعون من هذه الهيئات إلا أمرا واحدا وهو مبادرة أرباب المدارس الخصوصية إلى الإعلان بكل وطنية ومسؤولية عن انخراطهم في حملة التبرعات ودعم مجهود الدولة في مواجهة الوباء وآثاره ، خصوصا وأن هذا القطاع لا يخضع للمراقبة الصارمة من حيث الأسعار التي يفرضها على الأسر أو الأجور التي يؤديها للأساتذة ، الأمر الذي يمكّنه من مراكمة أرباح خيالية فضلا عن الإعفاءات الضريبية.
لكن ظهر مصاصو الدماء على حقيقتهم وكشفوا للمغاربة عن انتهازية مقيتة أجازت لهذا اللوبي المفترس أن يسمح لنفسه استغلال المآسي والكوارث لمزيد من النهب . كان من المفروض في أرباب المدارس الخصوصية أن يتحلوا بحس وطني عالي وسليم فيعلنوا على مبادرات إنسانية تُشعِر المواطنين أن الشعب المغربي واحد ومتضامن بكل فئاته . لكن اللوبي إياه الذي اعتاد على مص دماء المواطنين أبى إلا أن يتجرد من كل شعور إنساني أو حس وطني ؛ وطبيعي أن يأتي تصرفه على هذه الدناءة والنذالة لأن على رأس هذا اللوبي عناصر قيادية أو محسوبة على حزب البيجيدي الذي نهب أرزاق المواطنين موظفين ومتقاعدين وعاديين.
فعقلية النهب والاسترزاق والانتهازية والابتزاز واحدة وقد ترجمها الحزب قبل ترؤسه للحكومة وخلالها. أليس الحزب من ابتز الدولة أثناء صياغة الدستور وعند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية وقبل تشكيل الحكومة ؟ إن الحزب الذي يسمح مسؤولوه في الحكومة لتركيا بتدمير الاقتصاد الوطني ويدافع برلمانيوه عن مصالحها على حساب مصلحة التجار والصناع التقليديين لن تخجل عناصره المسؤولة عن الهيئات الموقعة عن البلاغ الابتزازي الموجه لرئيس الحكومة عن الإعلان عن سفالتهم وعقوقهم للوطن وتنكرهم لتعاليم الدين الذي يزعمون الصدور عنه في أقولهم وأفعالهم.
لم يعد للدين أي أثر أمام الجشع الذي أصاب عناصر هذا اللوبي . وأكيد أن مكاتبهم الإدارية مؤثثة بالرموز الدينية والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريعة فيما بلاغهم الانتهازي وسعيهم الخبيث يناقضان كل تمتماتهم ونمنماتهم بكون الإسلام أمر بالتعاون وجعل المؤمنين في توادهم وتراحمهم “مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”؛ فلا السهر أو الانشغال عبّر عنه هؤلاء تجاه بقية فئات الشعب ولا التراحم والتوادد حرّكا مشاعرهم الدينية وجعلهم يستجيبون لنداء الواجب الوطني والديني.
لقد عرّى وباء كورونا عن حقيقة تجار الدين ولوبي المدارس الخصوصية ولم يترك أمام الدولة سوى خيار واحد استجابة لمطالب غالبة الشعب وهو سحب الترخيص من المؤسسات التعليمية الخصوصية المنضوية تحت ذات الهيئات كمقدمة لقرار سياسي وجريء وهو تأميم التعليم بكل أطواره وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي لها فضل وشرف تكوين وتخرّج خيرة أطر الدولة في كل المجالات.
لم يعد مقبولا ، إذن ، أن يضع الشعب المغربي قطاعا إستراتيجيا يهم كل أبناء المغرب ومستقبل الوطن بين يدي مصاصي الدماء وتجار المآسي الذين لا يراعون مصلحة الوطن ولا أوضاع المواطنين الصعبة في ظل الأزمة العامة التي أحدثتها جائحة كورونا. فالمؤسسات التعليمية التي تنعدم في مسؤوليها قيم المواطنة والتضامن لا يمكنها أن تقدم تنشّئ التلاميذ على حب الوطن أو تغرس فيهم قيم التآزر والتعاون. من هنا خطورتها مضاعفة تتجاوز مسألة النهب والابتزاز إلى تدمير مقومات المواطن الذي يغار على وطنه ومستعد للتضحية من أجله مهما كانت جسامة التضحة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7415