كريمة العزيز
رغم كل التحديات التي خاضتها المرأة المغربية بإصرار وصبر، ورغم ما حققته من مكتسبات في مختلف المجالات العلمية والمهنية والاجتماعية، لا يزال هناك من يقتحم فضاءها الخاص، ويتحدث باسمها، ويخاطبها كما لو كانت قاصرًا تحتاج إلى من يوجّهها ويقرّر عنها.
تتوالى التصريحات التي تحاول فرض وصاية أخلاقية أو دينية أو اجتماعية على اختياراتها، ويُطرح السؤال، من أين يستمد هؤلاء مشروعيتهم للحديث باسم النساء، هل يحق لأحد أن يُملي على الفتيات أن لا ينفعهن لا تعليم ولا عمل، وأن خلاصهن الوحيد هو الزواج، وهل من المقبول في زمننا أن تُختزل حياة المرأة بأكملها في وظيفة اجتماعية واحدة تُفرض عليها باسم تقاليد أو فهم مغلوط للدين.
المرأة اليوم لم تعد تنتظر من يوجّهها، فقد أثبتت في الواقع قدرتها على اتخاذ قراراتها، وعلى بناء ذاتها، وعلى المساهمة في بناء مجتمعها، فهل أصبح التفوق والنجاح تهديدًا بالنسبة لمن لا يرى فيها سوى أداة لتعبئة جماهير انتخابية، ولماذا كلما اقتربت لحظة سياسية مفصلية، نجد من يُخرج ورقة المرأة ليُعيد إنتاج الخطاب نفسه، كأن المجتمع لم يتغير، وكأن وعي الناس لا يُحسب له حساب، السياسة ليست منبرًا لإصدار تعليمات أخلاقية، وليست منصة لمهاجمة الحريات الفردية، بل هي مجال لتقديم حلول واقعية، واقتراحات نابعة من فهم عميق لتعقيدات المجتمع.
هل من يمارس السياسة على هذا النحو، يعجز عن صياغة بدائل حقيقية، فيلجأ إلى ما يثير الانقسام، الدين في جوهره لم يفرض الزواج لا على الرجل ولا على المرأة، ولم يمنح أحدًا الحق في التدخل في قرارات الآخرين باسم الفضيلة، فهل يمكن للدين أن يكون في خدمة الحرية والعدالة، بينما يُستخدم أحيانًا لتبرير الهيمنة والتمييز، وما الذي يجعل بعض النساء أنفسهن يدافعن عن هذا الخطاب الذكوري، أهو بفعل التربية أم بفعل الخوف من التحرر، ألسنا بحاجة إلى مراجعة عميقة لا فقط في الخطاب، بل في البُنية الذهنية والثقافية التي تسمح باستمرار هذا النوع من التفكير، السياسة إذا كانت فعلًا أخلاقيًا فجوهرها يجب أن يكون احترام الإنسان لا التحكم فيه، وأن تبني الوعي لا أن تحتقره، المغاربة اليوم بإرثهم الروحي العميق وثقافتهم الدينية المتسامحة يدركون جيدًا الفرق بين من يخدم الصالح العام ومن يوظف الدين لأهداف ضيقة، فهل يُعقل أن يعود الخطاب السياسي إلى اقتراح الزواج كحل جماعي، وهل يمكن أن يكون هذا هو “البرنامج” الموعود، إن زواج الفتيات ليس مشروعًا سياسيًا يُنتخب عليه، والمرأة ليست وسيلة للوصول إلى السلطة، بل هي مواطنة حرة، عاقلة، تختار لنفسها، وتساهم في بناء مجتمعها، ولا تحتاج إلى وصيّ كلما اقتربت الانتخابات.