8 مايو 2025 / 12:23

كشمير.. الجرح المفتوح بين الهند وباكستان

سعيد الزياني
يشهد جنوب آسيا لحظة فارقة بعد أن نفذت الهند ضربات جوية ضد مواقع داخل الأراضي الباكستانية، مساء السادس من ماي، ردا على هجوم “إرهابي دموي” وقع في “بهلغام” (Pahalgam) وأودى بحياة 26 سائحا.

وبررت الحكومة الهندية الضربات بأنها “مدروسة ومتزنة”، استهدفت ما وصفته بـ”بنى تحتية إرهابية”، بينما ردت باكستان بإعلان سقوط ضحايا مدنيين بينهم أطفال، معتبرة الضربات انتهاكا للسيادة وتوعدت بالرد في “الوقت المناسب”.

وأعادت هذه التطورات “كشمير” إلى واجهة الأحداث كرمز لصراع تتداخل فيه الجغرافيا بالدين، والسيادة بالهوية، والسياسة بالوجدان.

لقد ظل إقليم جامو وكشمير منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، في صلب التوتر بين الهند وباكستان، الإقليم ذو الأغلبية المسلمة، الذي انضم إلى الهند تحت حكم مهراجا هندوسي (هاري سينغ)، فجر أولى الحروب بين البلدين، وتحول مع الوقت إلى ساحة نزاع عسكري وأيديولوجي، ولم تفلح قرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 47، في فرض تسوية دائمة أو إجراء استفتاء لتقرير المصير، بل إن العقود الماضية شهدت تحولات عميقة في بنية الصراع، جعلت من كشمير أكثر من مجرد نزاع حدودي، وجعلت الدين عنصرا جوهريا في سرديات التوتر.

وغذى تصاعد القومية الهندوسية في عهد حكومة “ناريندرا مودي”، خاصة بعد إلغاء الوضع الدستوري الخاص للإقليم عام 2019، مخاوف الكشميريين المسلمين، وساهم في تصعيد التوترات الدينية في البلاد.

وفي المقابل، لا تتردد باكستان في استخدام الخطاب الديني لتعزيز مطالبها بشأن كشمير، مستثمرة رمزية التضامن الإسلامي، لكن في الوقت نفسه متهمة من قبل الهند بدعم جماعات مسلحة على صلة وثيقة بالإقليم، وتحولت الجماعات مثل “لشكر طيبة” (جماعة جهادية باكستانية) إلى عنصر اشتعال مستمر، يغذي دوائر العنف ويمنح الطرفين أدوات تبرير جديدة.

وأعاد الهجوم “الإرهابي” في “بهلغام”، وما تلاه من رد هندي عسكري مباشر، النقاش حول قواعد الاشتباك، ومدى استعداد الطرفين للعودة إلى طاولة التفاوض، لكن المؤشرات لا توحي بأن هناك استعدادا سياسيا فعليا لدى أي من الجانبين لتسوية حقيقية، خاصة في ظل المناخ الداخلي المشحون في كل من نيودلهي وإسلام آباد، وفي ظل استثمار الهوية الدينية في تعبئة الرأي العام الداخلي.

ودعا المجتمع الدولي، وعلى رأسه المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى التهدئة، وبرزت تحركات دبلوماسية سريعة في مجلس الأمن، لكنها حتى الآن لم تخرج عن دائرة “إدارة الأزمة” بدل مقاربتها جذريا.

كشمير هي عنوان لصراع مركب تتداخل فيه السياسات الإقليمية، والمشاعر الوطنية، والتوظيف الديني، في مشهد تتكرر فيه الفصول من دون نهاية تلوح في الأفق، وإذا كانت الهند قد ردت بقوة هذه المرة، فإن باكستان وجدت نفسها أمام ضغوط داخلية للرد، ما يفتح الباب على احتمالات أكثر خطورة في حال فقدت الدبلوماسية زمام المبادرة.

ويبقى صوت الكشميريين أنفسهم غائبا عن مراكز القرار، فبين سعي الهند للسيطرة الكاملة، ومحاولة باكستان لفرض وصايتها السياسية والدينية، لا يجد سكان الإقليم من يستمع فعليا لمعاناتهم المزمنة، ولا من يعترف بحقهم في تقرير المصير خارج الاصطفافات الجيوسياسية.

وما لم يفتح أفق جديد لحل عادل وشامل، يعيد للقضية بعدها الإنساني والدولي، فإن كشمير ستظل بؤرة قابلة للاشتعال في أي لحظة، مهما كانت التهدئة مؤقتة أو الاستراتيجيات محسوبة.