صدر الكتاب سنة 2014 وترجم في نونبر2020، ومن تقديم الدكتور عبد اللطيق قيلش، ويحتوي الكتاب على 108صفحة ووضعت هندسته على الشكل التالي: مقدمة وأربعة محاور: محور الحياة ويتضمن العناوين التالية: مامعنى أن نحيى؟ أن نحيا بشكل أفضل؟ أن نعرف كيف نحيا: فلسفة الفلسفة-مواجهة الشكوك-شكوك الحياة-أن نحيا أحرارا-على سبيل الختم.
ومحور أزمة متعددة الأبعاد، ويتضمن العناوين التالية: على مستوى الفكر-على المستوى الإنساني -متطلبات الفهم -الفهم والمدرسة-الفهم بين المدرس والمتمدرس-الشبيبة المتمدرسة-هيئة التدريس.
ومحور المعرفة ويتضمن العناوين التالية: عمى المعرفة: الخطأ والوهم-المعرفة المناسبة-خطأ سوء تقدير الخطأ- إصلاح الفكر.
ومحور الإنسان ويتضمن العناوين التالية: الشرط الإنساني – القصة الكبرى-المجتمع الإنساني-إيطيقا النوع الإنساني.
ومحور الفرنسي ويتضمن العناوين التالية: الولادات الأربع لفرنسا-الفرنسية المتواصلة -الفرنسة عن طريق إدماج المهاجرين -الصعوبات الجديدة-ألوان فرنسا.خاتمة:تجديد الإيروس.
وينطلق إدغار موران من طبيعة الأزمة التي تشكو منها المجتمعات، في ظل تحولات عميقة وتقلبات مست كل المجالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وما ترتب عنها من الاقصاء اجتماعي واللامساواة، وهي نتائج البحث الجنوني عن الربح. وتجد هذه المظاهر مقاومة في مختلف مناطق العالم من خلال مبادرات تنشد مستقبل آخر.
انطلاقا من ذلك يعالج إدغار موران أعطاب النظام التعليمي، بغاية طرح حلول ومقترحات لتجاوز الاختلالات. وذلك ما ًيفرض إعادة التفكير، ليس فقط في وظيفة التدريس، إن لم أقل رسالته، ولكن أيضا فيما يتم تدريسه…لتطوير كل ما يعنيه تعلم الحياة في زماننا المطبوع بالأنترنيت ً(ص 7).
وتشكل تيمة ً تعلم الحياة ًقضية مركزية في هذا الكتاب، إذ أن قيمة المعارف أن تعلم الفرد كل ما يخص الحياة، وإلا تظل معزولة، وفي هذا السياق يستحضر إدغار موران معنى التربية التي بلورها جان جاك روسو في كتاب ًإيميل ً، فمهمة المربي تجاه تلميذه ً أن يحيا، تلك هي المهنة التي كنت أريد أن ألقنه إياها ً(ص 11).
ويتعلق الأمر هنا باكتساب المعارف من خلال تعدد مصادر التنشئة والتربية لامتلاك عدة مواجهة الصعاب والوضعيات المختلفة. فالمعرفة هي سلاح المواجهة، وهي ليست المعارف، والغائب في النظام التعليمي هو دراسة معرفة المعرفة، التي طالب إدغار موران بتدريسها منذ الأقسام الأولى.
وتمكن دراسة معرفة المعرفة من القراءة النقدية لها وللعلم، لتقويض اليقينيات حتى لا يعيد التاريخ إنتاج نفسه ً حينما ننظر في يقينيات القرون السالفة، بما فيها اليقينيات العلمية، وحينما ننظر في يقينيات القرن العشرين، سنرى الأخطاء والأوهام التي اعتقدنا أنا منها براء. بيد أن لاشيء يشي أننا اليوم في مناعة من يقينيات جديدة لا جدوى منها، ومن أخطاء جديدة وأوهام لم يتم كشفها بعد ً.(ص 12).
ويستحضر إدغار موران تجاربه السياسية، والتي قادته بعض الخيبات والصدمات إلى كتابة ًنقد ذاتي ً الذي نشر سنة 1959، واستنبط من خلال هذه الوقفة التأملية، أن الخطأ قد يكون فرصة يمنح إمكانيات التطور بشرط الاعتراف به، ودراسة أصوله وأسبابه ً وقد فهمت أن منبع الخطأ والأوهام يكمن في التستر على الوقائع التي تضايقنا، وتخديرها وإبعادها عن ذهننا. وقد كنت على علم، بفضل الفيلسوف هيجل Hegel، أن الحقيقة الجزئية تؤدي إلى الخطأ الشامل. كما فهمت جيدا بفضل ً أدورنو Adorno ً ً الشمولية هي اللاحقيقة ً أن الحقيقة الشاملة هي خطأ شامل ً (ص 14).
وكامتداد لكتاب ً نقد ذاتي ً ، ستكرس مجلة ً Arguments ُ (1962-1957) ملفاتها وصفحاتها للرؤية النقدية ومجادلة الأفكار الجاهزة، وهو ما قاد إدغار موران إلى امتلاك الفكر المركب الذي مثل نبراسا لمساره الفكري والفلسفي، والأفكار الواردة في هذا الكتاب هي من ثمار هذه الرحلة، وهذا الجهد والبحث. فأمام المتغيرات المتسمة بطغيان الأرقام و ً تبقرط العادات ً وأنماط استهلاكية معولمة، علينا أن نستحضر في انشغالاتنا البيداغوجية ً فن الحياة ً و ً معرفة الحياة ً ل ً نتعلم كيف نحيا في ظل حضارتنا ً (ص 20)، وهو ما يدخل الإنسانية إلى فلسفة الفلسفة، باعتبارها صديق أو عاشق الحكمة، وهو مايطابق معرفة الحياة الحقيقية(ص 21).
وتظل الحكمة في نظر إدغار موران طوبى مأمولة لمواجهة الجشع وسلطان المال والهجوم التقني وتسليع كل شيء ً هناك اليوم حاجة، إن لم تكن للحكمة، فعلى الأقل إلى الانفلات من التسطيح والرعونة والتسمم الاستهلاكي وسلطة المال، حاجتنا إلى علاقة هادئة بين الجسد والروح والفكر ً (ص 23).
وللبرهنة على بروز الشك المنطقي والشك التجريبي، سيعود إدغار موران إلى العلم الكلاسيكي، والحتمية المطلقة ، والديناميكا-الحرارية،والميكانيكا الكوانتية، والميكروفزيائي. فالعلم الكلاسيكي وما ترتب عنه من نتائج على مستوى التصور للكون، وللطبيعة وللمجتمع، يعاد إخضاعه للسؤال ً كان العلم الكلاسيكي يقوم على ثلاثة مبادئ هي الفصل والاختزال والحتمية. والحال هذه، فإن كل واحد منها أبرز اليوم عن نواقصه. فقد تبين أن هذا العلم كان يسير في اتجاه فصل عناصر هي في الواقع مرتبطة ً(ص 27)، وهو مايستوجب إحداث القطيعة مع ً الإدمان على اليقينيات ً. التخلص من اليقينيات هو ولادة للتفكير الحر،وللاختيارات الحرة.إن أزمة التعليم غير منفصلة عن أزمة الثقافة، وهي النتيجة للتفكك الحاصل بين المكونين، إن فصل المكون العلمي عن مكون الإنسانيات، وتجزيء المعارف، عمق ًالجهل المعمم ً ، وأسر الجامعة في النموذج الاقتصادي المقاولتي ًفالتقديس التقنو-اقتصادي السائد يرى أن لا فائدة ترجى من الإنسانيات، وأنها مجرد ترف، ويدفع نحو تقليص دروس التاريخ ، ودروس الأدب، وإلغاء الفلسفة باعتبارها مجرد ثرثرة. وهكذا تتقدم إمبريالية المعارف الحاسبة والكمية بخسارة المعارف التأملية والكيفية ً(ص 39).
ومن ثمة ، فإن أزمة التربية هي جزء من أزمة حضارة ، أزمة مجتمع، أزمة اقتصادية.. في عالم تهيمن فيه مالية منتشية بالربح، والصراعات الموبوءة بالتعصبات المميتة ً(ص 42).
وغياب التربية على الفهم أحد الأعطاب الأخرى التي يشكو منها النظام التعليمي، مما عرض العلاقات الإنسانية للتوحش، وهو مايتعارض مع العيش المشترك.
إن تضخم الأنا، ومظاهر الاحتقار والكراهية تفشت في كل مجالات العلاقات. بيد أن الفهم هو السبيل لتجاوز ثقافة الإقصاء والإدانة والانغلاق والانتقام، والتوحش الداخلي والخارجي ، وهذا ما ًيتطلب تربية إيطيقية وأنتروبولوجية وابستيمولوجية، مما يستلزم إصلاح التربية المتعلقة بالمعرفة وصعوباتها، ومخاطر الخطأ والوهم المحدقة بها، ومن هنا اقتراحاتنا التأسيسية لإدخال معرفة المعرفة، ومعرفة الإنسان ، والتربية على الفهم ً (ص 51).
وفي هذا الصدد يعزز إدغار موران أطروحته بالاجتهادات البيداغوجية التي قام بها ً دانيال فافرDaniel Favre ً بخصوص تحويل عنف التلاميذ إلى صراع أفكار يتيح فرصة تعلم الحوار الديموقراطي. بنفس الروح البيداغوجية التي تعتبر أن الخطأ جزء من عملية التعلم ، وتجاوز الخطأ كإثم من منظور المنظومة التربوية التقليدية ، يستحضر إدغار موران كتاب ً في مديح الخطأ ً ل ً لوران ديغوس Laurent Degos ً معتبرا الخطأ ً محركا للحياة، ومصدراكتشاف وتجديد …يحمل معه سر مالم نكن نتوقعه ً(ص 62).
لن يتأتى هذا الفهم للخطأ إلا بالمقاربة النسقية الحاضنة للترابط بين التخصصات ، وإعمال مفهوم السببية الدائرية التي تنطلق من الكل إلى الجزء ومن الجزء إلى الكل ، فكما جاء على لسان باسكال ًأعتبر مستحيلا معرفة الكل إن لم أكن أعرف الأجزاء ، ولا معرفة الأجزاء إن لم أكن أعرف الكل ً(ص 68)، وهو مسار يتواصل فيه التوالد المتجدد.
أما مفهوم الحوارية لدى إدغار موران فهو يتجاوز الفهم الاختزالي للديالكتيك ، ليؤسس ً الاجتماع التكاملي للمتاضادات ً ، وفي هذا الصدد فالحياة والموت مفهومان متاضادان ومرتبطان. إنه الربط المؤسس للفكر المركب الذي لا يتعلق بالهدم ، ويسمح بالربط والانفصال بين الكائن الإنساني والطبيعة والكون.
هناك ضرورة لاستيعاب دروس في التواصل البيو-أنتربولوجي ً بغاية استيعاب أن الإنسان هو في آن واحد بيولوجي مائة في المائة ، وثقافي مائة في المائة ، وأن الدماغ كموضوع للبيولوجيا والظاهرة النفسية المدروسة في البسيكولوجيا، هما وجهان لنفس الواقعة ، وأن الروح كي تتجلى ، تحتاج للغة ، أي الثقافة ً(ص 75).
إن الخلاصة المركزية لإدغار موران فهي ً أن نتعلم أن نتعلم ً باستيعاب مضامين مفاهيم الفصل والربط والتحليل والتركيب، والسببية الدائرية ، والشك السببي ، بالاعتماد على علوم جديدة تتمثل في الإيكولوجياوعلوم الأرض والكوسمولوجيا، ومن هذه الزاوية فدور التعليم أن يساهم في تحقيق المواطنة الأرضية.أما الفكرة الرئيسية في محور الفرنسي بعد النبش في المسار التاريخي ، فهي تتمثل في كون الهوية الفرنسية ً ينبغي أن تبقى هوية مزدوجة ، وأن تحترم ،
من الآن فصاعدا ،وبكل حرص ، التنوعات الإثنية/الثقافية ، وبالتالي تجاوز اليعقوبية التوحيدية ً (ص 100).
إن موضوع الإصلاح مترابط بين المعرفة والفكر والتربية ، ما يستوجب التجديد وليكن المنطلق تجديد الإيروس .
Source : https://dinpresse.net/?p=20440