13 يوليو 2025 / 12:36

كتاب “ما بعد الكولونيالية”.. قراءة شاملة في دراسات ما بعد الاستعمار

إعداد: رشيد المباركي

مؤلف الكتاب هو روبرت يونغ، أستاذ في الدراسات الثقافية والأدبية في جامعة نيويورك وجامعة لندن، ويُعتبر من أبرز الباحثين في مجال الدراسات ما بعد الاستعمارية والنظرية الثقافية. ويعتبر الكتاب عملا شاملا، يقدم رؤية متكاملة لتاريخ وأبعاد الدراسات ما بعد الاستعمارية، مركّزا على التداخل بين التاريخ، الثقافة، والسياسة. كما يُظهر كيف أن الاستعمار ليس فقط ماضٍ سياسي، بل يؤثر بشكل مستمر على البنى الاجتماعية والثقافية، ويحث على إعادة التفكير في مفاهيم الحداثة والهوية والسلطة.

يستعرض كتاب “ما بعد الكولونيالية” مقدمة تاريخية شاملة لفهم ما بعد الاستعمار كحقل فكري ونقدي، من خلال رصد أصوله التاريخية، تطوره، وارتباطاته السياسية والثقافية. ويربط الكاتب بين تجارب الشعوب المستعمَرة ومجتمعاتها، وبين الأفكار التي أنتجها المفكرون المعاصرون لفهم التأثيرات المعقدة للاستعمار.

تتفرع محاور الكتاب على العناوين التالية:

جذور ما بعد الاستعمار: الاستعمار القديم والجديد، حيث يبدأ يونغ بتوضيح تاريخ الاستعمار الأوروبي منذ عصر الاستكشافات، ويميز بين الاستعمار القديم (المتمثل في الغزوات المباشرة والسيطرة السياسية الكاملة) والاستعمار الجديد أو الإمبريالية الحديثة (التي تستخدم الوسائل الاقتصادية والثقافية والسياسية للتحكم). كما يشرح كيف أثرت هذه الأشكال المختلفة في تشكيل مجتمعات المستعمرات وهوياتها. ويربط هذه التحولات بنشوء حركات التحرر الوطني التي تلت الحربين العالميتين.

التشكيل الثقافي والسياسي لما بعد الاستعمار، حيث يشرح المؤلف كيف أن الاستعمار لم يكن مجرد سيطرة سياسية واقتصادية، بل كان عملية ثقافية تهدف إلى فرض قيم وهوية المستعمر. كما يناقش آليات التمركز والهيمنة الثقافية مثل الخطاب الاستعماري، التعليم، واللغة. ويبرز دور المفكرين والنقاد في فضح هذه الهيمنة وتطوير خطاب مقاوم يُعيد بناء الهوية الثقافية بعد الاستعمار.

نقد الحداثة والسلطة الغربية، حيث يعرض الكتاب كيف أن ما بعد الاستعمار يُشكك في المفاهيم الغربية للحداثة، التقدم، والعقلانية، التي تم تقديمها كمعايير عالمية. ويبيّن كيف تتداخل الخطابات الاستعمارية مع مشاريع الحداثة الغربية لتبرير الهيمنة والسيطرة. كما يُناقش دور فلاسفة ما بعد الحداثة في تفكيك هذه المشاريع وتحليلها.

بخصوص المفكرين الأساسيين في الدراسات ما بعد الاستعمارية، يعرض يونغ بإيجاز أهم المفكرين الذين أسسوا هذا الحقل مثل: فرانز فانون، وتحليله للصراع النفسي والسياسي في الاستعمار؛ إدوارد سعيد، وخاصة مفهوم “الاستشراق” كخطاب يبرر الهيمنة الغربية؛ غاي دوبا، وتأثير الخطابات الاستعمارية على الهوية والتمثيلات الثقافية. ويبين كيف يساهم هؤلاء في فهم العلاقات المعقدة بين القوة والمعرفة والهوية.

وأخيرا، محور التحديات المعاصرة لما بعد الاستعمار، حيث يناقش المؤلف تأثير العولمة والتداخلات الاقتصادية والسياسية الجديدة التي تعيد تشكيل علاقات القوة بين الشمال والجنوب. ويستعرض قضايا مثل الهجرة، الهوية المتعددة، والسياسات الثقافية في عالم ما بعد الاستعمار. كما يطرح تساؤلات حول إمكانية وجود هوية ما بعد استعمارية موحدة أو هل هي دوماً متغيرة ومتعددة.