كتاب “زهر الآس في بيوتات فاس” وذيله “تحفة الأكياس”: المضمون والقيمة (1/5)

دينبريس
دراسات وبحوث
دينبريس2 يناير 2025آخر تحديث : الخميس 2 يناير 2025 - 2:50 مساءً
كتاب “زهر الآس في بيوتات فاس” وذيله “تحفة الأكياس”: المضمون والقيمة (1/5)

محاضرة إملاء: الدكتور حمزة بن علي الكتاني:
تقديم الدكتورة الشريفة لطيفة الوزاني:

الحمد لله الواحدِ الأحد، الفردِ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُوا أحد. والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان، الأطهران الأمسكان، على سيدِنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، المبعوثِ رحمة للعالمين، وعلى آله المطهَّرين من الرِّجسِ في الذكر المبين، وصحابَتِه الغُرِّ الميامين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سلام الله عليكم أحبّتنا الكرام من أعضاء مجلس السّالكين، والمنتسِبين إليه، والمتعاطفين معه، من داخل الوطن وخارجِه، وبمحبة محبين لأحبتهم، نرحب بكم اليوم مجددًا بفضل الله سبحانه، لنجتمع حول مائدة جديدة من موائدِ مجلس السالكين الموقر، وهي: المائدة الخِتَامِيّة لهذا الموسم، في انتِظار الموسم الجديد بمشيئة الله وعونه وتوفيقه.

وكما يُقال: خِتامه مسك. فإن جلسَتنا ختامية اليوم، ختمٌ وخِتام سعيد؛ لأنها تصادِف احتفال المغاربة بمناسبَة عيد العرش المجيد، الذي يُصادف الذكرى الرابعة والعشرين لاعتلاء الملك سيدي محمّد السادس – حفظه الله – عرشَ أسلافه الميامين، أعاده الله علينا ونحن نرفل – ملكًا وشعبا – في نِعمة الأمن والسلام.

وجلستُنا بهذه المناسبة ستنقُلنا للمدينة التي بناها ثاني مَن اعتلى عرش المغرب؛ وهو: المولى إدريس الثاني؛ مؤسّس مدينة فاس، مِن خلال محاضَرة موسومة بعُنوان جميل بهيج؛ وهو: “زهرُ الآس، في بيوتات أهْل فاس”، وهو عنوانُ مؤلَّف نفيس، لعالم من عُلماء الأسرة الكتانية الشريفة، المعروفة بجمعِها لشرف النسَب والعِلم معًا؛ وهو: الإمام النسَّابة الشريف؛ سيدي عبدُ الكبير بن هاشِم الكَتّاني رحمه الله، المتوفى عام 1350 للهجرة، ويُعد هذا الكتابُ مِن أهم وأنفسِ الكتب التي أرَّخت لمدينة فاس عبر بيوتاتها؛ إذ يأتي في العائِلة منذُ أول رحلاتها، باحثا في أصولها وأعلامِها وأمجادها، إما في العِلم أو في الجهاد، أو غير ذلك، معدِّدًا كل ذلك بأهمِّ وثائق تلك العائلات التي بلغ عددُها ألف عائلة، فجاء الكتابُ بمثابة حالة مَدَنِيّة لفاس، في أوائل القرنِ الرابع عشر الهِجري، حيث ذكَر فيهم مؤلِّفُه أكثر مِن عشرين ألفَ شخصٍ من أهل فاس؛ يعني: أكثرَ من عشرين ألفَ ترجمة.

وقد ذيَّله نجلُ المؤلف العلامة النسّابة المؤرخ؛ سيدي محمد بن عبد الكبير بن هاشِم الكتاني، بذيل عَنْوَنَه: “تُحْفَةُ الأَكْياس، ومفاكَهَةُ الجُلاس، فيما غفَل عنه صاحِبُ كتاب زهر الآسِ في بُيوتات أهلِ فاس”، حيث أضافَ لِما ذكره والده – رحمة الله عليهِما معا – مائة عائلةٍ فاسيّة أخرى.

وجلستُنا الختامية هاته، التي ستلِج بين عوالِم علومٍ نفيسة؛ كعِلْمِ الأنساب، وعلم التاريخ والتراجم، وما إليها؛ يُتْحِفُنا بها سليل الأُسرة الكَتانية العريقة، العالم العَلامة، المحقِّق البحّاثة؛ الدكتور سيدي حمزة بن عَلِي الكتاني، حفِظه الله، وزادَه من فضله. وهو غنيٌّ عن التعريف في المملكة المغرِبية وخارجَها، ولكن أقول:

هُو من مواليد مدِينة سلا بالمملكة المغربية، ومنشأُه مدينة الظّهران وجُدة، بالمملكة العربية السعودية، وَلَج مجالس القرآن الكريم منذُ السنة السادِسة من عُمره، ولازَم مجالس الدُّروس الشرعية وعمُره لم يتجاوَز آنذاك الثالثة عشرة.

أخذَ عن علماء الأُسرة الكتانية المرموقين، ثم عن غيرِهم، حصلَ على شهادة الصّيدلة من المملكة الأردنية الهاشمية قبل أن يعودَ إلى المملكة المغربية عام 2000م، ليستوطِن مدينة الرباط، وينتسِب لجامعة القَرَوِيّين بفاس، والتي تابع بها دِراسَته – أيضا – حتى حصَل على شهادة الدُّكتوراة.

الدكتور سيدي حمزة بن علي الكتاني له عطاء زاخر في التأليف، نثرًا ونظمًا، والتحقيق، والمشارَكة في المحاضرات والنّدوات والملتقَيات الوطَنِية والدّولية، مما يجبُ التنويه به كمًّا وكيفا، ومما لا يسمَح الوقت بسردِه هنا؛ لغزارته. زادَه الله من خَيْرَاتِه الجسام.

لذلك وحَتّى لا أُطِيل عليكم؛ أنصحُ من أراد التعرُّف على مسارِ مُحاضرنا الدكتور سيّدي حمزة بن علي الكَتاني، بالعودة لكتابِه القيم، الذي جمَع فيه المشايِخَ الذين دَرَسَ عليهم وأخَذَ عنهم العُلوم المختلفة، بطُرُقِها وأسانيدِها، داخِل المغرِب وخارجه. وهو الكتاب المُعَنْوَن: “مُعْجَم الشّيوخ؛ المسمّى: الغُصن الوَرّاف، في إجازةِ الحَبِيبِ السقّاف”، وهو كتابٌ قيم في بابه.

أما الآن؛ فسأُعطي الكلمة لمحاضِرِنا الجليل سيّدي حمزة الكتاني، الذي أتشرَّفُ اليوم وأسعدُ بتسيِير جلسته التي حتمًا ستكون ماتِعَةً ونافِعة، تجمع بين الثِّمار وحلاوتها، والجواهِر ونصاعَتها. وباسم الجَمِيعِ نقول لك سيِّدي: اسْقِنا؛ اسقِنا مِن جُعبتك معتّق الشّراب وأنت تجولُ بنا بين دُورِ وأزِقّة مدينة فاس العالِمة، ننهلُ معك من عبَق تاريخِها وأخلاق وعُلوم رجالاتها، وبركة وأسرار عُبّادِها وزُهادها، وجميل نظمِ شعرائها وشاحيها، ووشوشات جدرانها وأسوارِها، حتى يَخْتَال مجلِسُ السّالكين الموقَّر اليوم بأريجٍ فوّاح، يتركُ عَرْفًا عالِقًا بقلوبنا قبل عُقولنا، فلتتفضلْ سيدي الفاضِل مشكورًا ماجورًا:

نص المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وأفضلُ الصّلاة وأزكى التسليم، على مَلاذ الورى في الموقِف العظيم؛ سيدِنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابَتِه الغُر المحجّلين. اللهم لا عِلم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، ربّ اشرحْ لي صدري، ويسرْ لي أمري، واحلُل عقدة من لساني، يفقهُوا قولي.

بادئ ذي بدء؛ أشكرُ مُؤَسَّسَةَ السالكين، في شخصِ رئيسِها الشريف الجليل؛ سيِّدي عزّ العرب العمراني، الذي أتاح لي هذه الفُرصة، كما أتاح لي فرصًا أخرى قبل ذلِك للتواصل معكم، وللتواصُل مع مختلَف الفعاليات العِلْمِية والثقافية في مدينة فاس وفي خارِجِ مدينَة فاس، وأشكرُ – كذلك – الأستاذَة الدكتُورة، المحقِّقَة الكبيرة؛ الشّريفة لالة لطيفة الوَزّاني، على كلماتِها الطيبة الرّقيقة، والفَضْلُ إذا جاء من محلِّه؛ فإنه لا يُستغرَب. وساداتُنا الشرفاء الوَازّانِيّون معروفُون بفضلهم، وبِكَرِمِهم وبعطائِهم، ومَن جاء على أَصْلِه؛ فلا لَوْمَ عليه.

حديثُنا اليوم – إن شاءَ الله تعالى – سيكونُ عن كتاب: “زَهْر الآس، في بُيوتاتِ فَاس”، فهذا الكتابُ العَظِيمُ القدر، الغريبُ الأسلوب والمنهَج، في تاريخِه وفي نِظامِه، وفي قِيمَته، ويكفي أن نقولَ بأن هذا الكِتاب قد حَفَظَ الحالة المدنية لمدينَة فاس قبل أن يترُكها الفاسِيّون ويُغادروها، وتتغيَّر التركيبة الديموغْرافية والسُّكانية التي كانت فيها منذ قُرون طويلة. فهذا الكتاب استطاع أن يحفَظ أسماء العائِلات، وأن يحفَظ العادات والتّقاليد، والمعالِم الجغرافية، ومعلوماتٍ تاريخية، والأُسَر، بحيث كل فصلٍ عن أسرةٍ من الأسر يستحِق أن يكون مَدْخَلا أساسيا للتعريف بتلك الأسرة، والتوسُّع في البحث فيها، وفي أعلامها.

هذا الكتابُ ألفه عالم وفقه الله تعالى لأن يُبدِع إبداعًا غاية في الدقة، وغايةً في البحث، واستطاع أن يُسخِّر حياتَه من أجل مشروعٍ كبير؛ وهو: مشروعُ التأريخ والتّعريف بمدينة فاس. ولذلك فإنَّ العلامة مولاي عبد الكبِير بن هاشِم الكتاني يستحِقّ أن يكون أَيْقُونَةً مِن أيقونات هذه المدِينة العظيمة.

فنحنُ نَعْرِفُ أن الوزير إسماعيل ابن الأحمر عندما أرّخ لبيوتات فاس الكُبرى، ألّف كتابًا صغيرا لا يزيدُ عن مائة صفحة، وزادَ عليه العلامة سيدي عبد الرّحمن بن عبد القادِر الفاسي وذيّل، فكان الذّيل أصغر من الأصل، ولكن أن نأتي بكتاب يترجِم لنحو ألفِ عائِلَةٍ من عوائل هذه المدينة، ممَّن مضى وممن بَقِي، وممن طَرَأ وممن انقرض، وذَكَر أعيان هذه الأُسر ابتداء بالملوك والأمراء، والعُلَماءِ والصُّلحاء، إلى أن يذكُر المنقطعين والتّجار في الأسواق، ومن يَبِيع السمك، ومن يحرُث الأرض، ومن ومن…إلى آخره، يعني: جَمِيعُ طبقَاتِ المجتمع مذكُورَة في هذا الكتاب.

واستطَاع هذا الكِتاب أن يؤرِّخ لأمورٍ كثيرة لم يعتنِ المؤرِّخون بالتأريخ لها؛ من ذلك: تَرْتِيبُ الأذان في منار القرويين، ومن ذلك أمور كثيرة أُخْرَى تُعلم من طيّات هذا الكتاب. كل ذلِك؛ إنما يدلُّ على ما قدّمناه من كونِ صاحِب هذه المَعْلَمَة عالمٌ فذ، ومؤرِّخٌ عظيم، يستحِق كل احتفاءٍ ودِرَاسَةٍ وتنويه. رحمه الله تعالى.

-يتبع-

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.