صدر حديثا عن “شركة مدبولي” كتاب جديد للباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، بعنوان “الإخوان المسلمون في الخليج: وثائق نادرة للنشأة والحركة”، وهو عمل توثيقي وتحليلي يتناول حضور جماعة الإخوان المسلمين في دول مجلس التعاون الخليجي، متتبعا مراحل تأسيسها، وتطور آليات عملها، وتحولاتها الفكرية والتنظيمية في ظل الظروف الإقليمية المتغيرة.
وبحسب ما ورد في مقدمة المؤلف، لم تعد الجماعة تشتغل بالضرورة من خلال هياكل تنظيمية تقليدية، بل تبنت نهجا جديدا يعتمد على واجهات غير مباشرة كـ”الأممية الإسلامية”، و”الوسطية”، و”الاتحادات الدعوية”، و”مراكز التنمية البشرية”، وهي مؤسسات تعد اليوم أدوات بديلة تستوعب الطاقات الفكرية والثقافية المرتبطة بأفكار الجماعة، دون أن ترتبط تنظيميا باسمها، مما يمنحها هامشا واسعا من الحركة والمرونة.
ويشير “فرغلي”، وهو باحث مصري متخصص في الحركات الاسلامية، إلى أن هذا التحول جاء كرد فعل على التحديات التي تواجه التنظيم التقليدي، لا سيما الصدام مع مؤسسات الدولة، وفقدان الشرعية في بعض السياقات.
وهو ما دفع الجماعة لتبني “الصيغة اللامركزية”، والعمل ضمن شبكات فضفاضة تستوعب المنشقين والمستقلين، بعيدا عن الإطار الحزبي الصارم، هذه الحركية الجديدة تمنح الجماعة، القدرة على المناورة والاستمرار في العمل داخل وخارج المؤسسات الرسمية، حتى في أحلك الظروف.
وتبرز مقدمة الكتاب أيضا التوظيف المتنامي للخطاب “الوسطي” من قبل الجماعة، لضمان تموقعها داخل مشهد مقبول سياسيا ودينيا، والافلات من التصنيفات التي تقود إلى المواجهة أو الحظر.
ويقدم الكتاب أمثلة من دول الخليج العربي، مبرزا كيف تحولت الجماعة إلى لاعب “خفي” في المشهد المجتمعي والدعوي والتمويلي، ففي السعودية، تعمل الجماعة عبر مؤسسات دعوية مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي، بينما تتخذ في الكويت من الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الإنساني واجهات لنشاطها، ومنها: جمعية العون المباشر، الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، بيت التمويل الكويتي، وغيرها.
أما في قطر، فتركز الجماعة على بعث تيار عام عبر خطاب الصحوة، في حين أن نشاطها في البحرين يتأسس على “التوازن الطائفي”، بينما يظل نشاطها في الإمارات واليمن محدودا، ويأخذ طابعا خارجيا أو سياسيا.
ويؤكد فرغلي أن الجماعة باتت تُستخدم كرافعة تمويلية للتنظيم الدولي في بعض دول الخليج، مع تجنّب التصادم مع السلطات، واعتماد خطاب إصلاحي يضمن لها الاستمرار والانتشار في بعض الشرائح القبلية والتجارية والنخبوية.
وفي خلاصة المقدمة، يشير المؤلف إلى أن الجماعة في الخليج تجاوزت مرحلة التأسيس إلى بناء مؤسسات عالمية تساهم في تثبيت الحضور الإخواني عالميا، وتقديمه في صورة “الحركة المعتدلة” من خلال المؤتمرات، والمنتديات الفكرية والدعوية العابرة للحدود.
ويُعد الكتاب مرجعا مهما للباحثين في قضايا الحركات الإسلامية والخليج العربي، ويوفر مادة أولية نادرة من الوثائق والتحليلات، تسهم في تفكيك البنية الجديدة التي تتحرك من خلالها الجماعة في زمن ما بعد التنظيم المركزي.