صدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث كتاب جديد بعنوان “الإسلاميون ومنافاة الدولة”، ويحتوي على دراسات غطّت حركات الاسلام السياسي في كل من مصر والسودان وسوريا والأردن والمغرب وتونس ولبنان وإيران، وسَعَت إلى تحليل الأطر النظرية والعملية المتحكمة بــ«أنظمة الحكم الإسلاموية» وتقلباتها الفكرية.
وتناول الكتاب النماذج التاريخية لحكم الإسلامويين في عدد من الدول العربية والإسلامية، وبرهنت على حجم العقبات والاستعصاءات الهائلة التي مرت وتمر بها أنظمة الحكم الإسلاموية، التي أوصلتها تجاربها المأزومة إلى اضطرابات وصراعات؛ مع المكوِّنات السياسية والاجتماعية في الداخل ودول الجوار.
إذ سُرعان ما تحوّلت الدولة إلى تابع للتنظيم، الذي يُنسِّق بدوره مع الخارج؛ فأنتج ذلك صدمة هددت استقرار فكرة الدولة، وزعزعت إيمان الشعوب بها، إذ فقدت العدالة والمساواة في المواطنة، فتضخَّمت لديها النزعات الانفصالية بسبب حكومات التنظيمات الإسلاموية هذه.
وطرح الكتاب تجربة «الإخوان المسلمين» في مصر والأردن لفهم وتفسير عناصر اشتغال الحركات الإسلاموية في السياسة. إن الرفض الأصيل للدولة في «الفكر الإخواني» وفروعه، يكمن في الجذور النظريّة، ولا تختلف تجاربهم في الحكم، عمّا خبرته «الحركة الأم» في مصر، لا سيما قبل 30 يونيو (حزيران) 2013، على الرغم من المحاولات الدعائية والتلفيقية للحديث الممجوج عن الفصل «التام» بين الدعوي والسياسي، دون بيان الكيفية، ضمن استراتيجية تستند إلى «التقية السياسية»، وإيجاد مخرج داخلي ودولي يدّعي تبنيه لـ«الدولة المدنية».
يُقدم الأنموذج الإسلاموي السوداني المتمثل بنظام «الجبهة الإسلامية»، الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري في 30 يونيو (حزيران) 1989، مثالاً صارخاً لاستيلاء الإخوان على الدولة، وتحييدها، وإنتاجهم لدولة «موازية» تُنافيها وتُضاهِيها، مع الحفاظ على فكرة الانتماء للتنظيم الدولي، والسعي للتوسع الأممي، حسبما تناولته إحدى دراسات الكتاب.
تعتبر العلاقة بين الدولة والإخوان المسلمين في سوريا، من أكثر العلاقات توتراً وصداماً بين تنظيم حركي ونظام سياسي، بحيث مرت بمراحل متفاوتة من الحدة، خصوصاً بين منعطفي 1982 و2011 وما ترتب عليهما من تداعيات سياسية واجتماعية وإقليمية، قد تكون الأشد خطورة في المنطقة، بعدما بلغ الاحتداد درجة قصوى، إذ عمل «الإخوان» على تثوير العنف وتهديد مؤسسات الدولة، ومحاولة منافسة النظام في حقله السياسي والاستثمار في «الحراك الاحتجاجي»، وتقديم مراجعات باردة؛ مرهونة بإملاءات التنظيم الدولي.
وناقش الكتاب نظرية ولاية الفقيه، بوصفها مانعاً رئيساً من الوصول لإيمان، ولو جزئي بفكرة الدولة؛ كما جرى تطبيقها في إيران الخمينية بوصفها أنموذجاً يتبنى التمدد وتصدير الثورة؛ ويتجاوز الحدود الوطنية، تحت شعاراتٍ تُشرعِن العنف وتنقله إلى المحيط الإقليمي بدعوى نصرة المستضعفين، وباستخدام شمولية ولاية الولي الفقيه. يترصد الكتاب التحولات في الفكر السياسي الشيعي، فيعرض تجربة حزب الله الذي شكل «دولته الموازية» في لبنان، ولا يزال يعرقل مسار الدولة المدنية فيه.
وفي المغرب، بدأ العمل الإسلاموي المنظم بداية السبعينيات من القرن الماضي، بتأسيس أول جماعة إسلامية سياسية. لم تمانع الدولة المغربية من منح التنظيمات الإسلامية التراخيص القانونية للعمل في إطار محدود ومضبوط. وبعد تورط جماعة «الشبيبة الإسلامية» بالعنف اتبعت الدولة المغربية نهجاً جديداً، بدأ بتفكيك هذه التنظيمات. وبدأت لاحقاً عمليات الإدماج التدريجي لجزء من الحركة الإسلاموية في الحياة السياسية المغربية، في حين اتبعت الدولة نهجاً مختلفاً مع بقية الجماعات الإسلاموية التي لم تقبل بشروط الإدماج.
وبلورت الدولة المغربية آليتين أساسيتين في التعامل مع الإسلامويين: أولاً: آلية الاحتواء بالنسبة للجماعات التي تقبل بشرطين أساسيين: الاعتراف بإمارة المؤمنين، والاشتغال في إطار الإسلام الذي تتبناه الدولة المغربية، ووفقاً للدستور والقوانين الجاري العمل بها، ويمثل هذا الأنموذج حركة التوحيد والإصلاح. ثانياً: آلية الإبعاد بالنسبة للجماعات التي ترفض هذه الشروط، ويمثل هذا الجانب جماعة «العدل والإحسان».
ولم تخالف «حركة النهضة» في تونس الحركات الإسلاموية الأخرى، فقد عاشت هذا الرفض والمنافاة في جذور علاقتها بالدولة الحديثة، فشكك جيلها الأول بشرعية الدولة السياسية والدينية، ونازعتها في مجالها المدني والاجتماعي والتربوي والثقافي والديني. سعى الكتاب إلى دراسة التحولات الشكلية والعلاقات بين الدولة و«الإخوان» التونسيين على مستويات عدة، يرتبط بعضها بالرفض الأيديولوجي المتجذر للدولة الحديثة ومؤسساتها لدى الإخوان ومحاولة سيطرتهم عليها، وادِّعاء التحديث السياسي المدني في طبيعة الحكم.
عن مركز المسبار
Source : https://dinpresse.net/?p=6645