كتاب جديد ألفه الباحث عبد الرزاق وورقية، صدر مؤخرا في المكتبات المغربية والأوربية، بعنوان: “التمييز بين الديني والثقافي في تدين المسلمين”، عن مؤسسة مجلس الجالية المغربية بالخارج، ومن المنتظر أن يكون الكتاب جاهزا لفعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، بين 6 و16 فبراير 2020.
جاء الكتاب في حوالي 60 صفحة، وهو موجه على الخصوص للدعاة والمرشدين والأئمة في القارة الأوربية، وجاء موزعا على مقدمة وثلاثة فصول كانت عناوينها كالتالي: الديني والثقافي: تحديد المفهومين، ضوابط كل من الديني والثقافي، مقتضيات التمييز بين الثقافي والديني في المنظومة الفقهية الإسلامية، وخاتمة.
ومما جاء في مقدمة الكتاب، أنه من “أعظم ما ابتلي به بعض المسلمين في تدينهم في هذا العصر، خلطهم بين كثير من الأمور المتشابهة ظاهرا والمتباينة حقيقة، كخلطهم بين الأمور التعبدية والأمور العادية، وعدم تمييزهم بين الامتثال للتعاليم الدينية بقصد التعبد والتوسل بالتدين لأغراض مناقضة للقصد الشرعي، وجمعهم بين الإيمان بأمور الغيب السمعية والاعتقاد في الأوهام والخرافات والأساطير، وتسويتهم بين قراءة القرآن تعبدا ورُقية، وبين قراءته على طريقة الشعوذة والسحر… وقد انتشرت وشاعت هذه الوجوه من الخلط واللبس، وأصبحت السمة الغالبة على بعض طوائف المسلمين، بل وأنشئت على أساسها فرق ومجموعات دينية عاثت فسادا في عقائد المسلمين وسلوكهم الديني، ومن بين أنواع اللّبس الخطير الواقع في التدين الإسلامي اليوم، وله أثر بارز في تصرفات الناس، وتأثير سلبي مباشر على دين الإسلام وأهله، ذلك الخلط الجاري بين الأمور الدينية التكليفية وبين الأمور الثقافية العادية، حيث تم حمل الثانية على الأولى على أساس أنها منها ومن جنسها، وتم التشبث بها والتضييق بواسطتها على الناس، حتى أصبحت تلك المظاهر الثقافية العرفية جزءا من الدين، يتصارع المتدينون مع أهل الثقافات الأخرى على أساسها، ويستعملون الحجة الدينية في ذلك الصراع بصورة مسيئة للدين ولأهله”.
ويضيف الكاتب أن هذا الخلط “يظهر جليا عند بعض مسلمي المهجر في مجتمعات متعددة دينيا وثقافيا، حيث ينشأ صراع ثقافي ولكن بلباس ديني، وتتم الإساءة إلى دين الإسلام، ولاسيما عند الوافدين عن طريق الهجرة الذين يقع لهم خلط – بحكم التربية المُلقنة – بين الثقافي والديني في تدينهم، كالتشبث ببعض السلوكات الثقافية على أنها دينية إسلامية كالسلوك الثقافي في اللباس، والهيئة والأكل والشرب، وطريقة العيش، وطريقة التدبير الأسري…فتراهم يناضلون من أجلها على أنها واجبات دينية، لا ينبغي التنازل عنها أو المساس بها، والكثير منها عند تعميق النظر، هو في الحقيقة مجرد أعراف وتقاليد مجتمعية ورثوها عن أصولهم الثقافية، يمكن التعامل معها بمرونة لأجل التعايش مع الآخر، والحفاظ على ما هو أقوى منها دينيا كالكليات الشرعية الضرورية”، مطالبا من المتخصصين البحث في “فك الإشكال الواقع نتيجة عدم التمييز بين الثقافي والديني في السلوك الديني الإسلامي، وتصحيح مسار التعبد وفق مقاصد الدين، كما هي مستقرأة من الأدلة الشرعية الثابتة، والتمييز بين ما هو مقصود شرعا، وما هو عادي ثقافي معفو عنه، ولأجل هذه الغاية العلمية النبيلة، حاولت تعميق النظر في هذا البحث مبينا المسلك القويم للتمييز بين الجانبين، فقمت في البداية بتحديد كل من الديني والثقافي في تداول أهل الاختصاص، وجرد ضوابط كل منهما، حتى إذا حصل التعريف والضبط، أفضيت إلى تحديد الفروق بين الجانبين معضدا بحثي بشواهد من الشرع الإسلامي وبأمثلة من الواقع المعاصر، محترما السياق الخارجي حيث التنوع الثقافي والديني هو العرف السائد والمحكم”.
وختم المقدمة بالإشارة إلى أن “الإسلام بوصفه، الدين السماوي، البالغَ إلينا كتابه بالمعجزة والتواتر، لم يكن أبدا في يوم من الأيام معرقلا للفعل الحضاري، بل بالعكس من ذلك كان مُنشئا لحضارة مستقلة بذاتها ابتدأت بالأمر بالتعلم “اقرأ”، واستمرت بأوامر الاعتبار في الكون والتفكر والتعلم والحجة والحكمة. وساهمت من جانبها في تطور الحضارة الإنسانية، وقد شهد بهذا العقلاء من الناس شرقا وغربا ومن لدن جميع الأمم”، مضيفا أنه “لا يليق بالمسلمين اليوم الالتفات إلى دعاوى التعارض والتضاد المفتعلة بين الدين والرقي الإنساني الحضاري، فإن الانشغال بذلك ضرب من التفاهة والسفاهة الفارغة. وإذا تقرر هذا وبانت حجته، فإننا نسجل أن هناك وعيا متناميا لدى فئة عريضة من المسلمين، استطاعوا الجمع بين الأوامر الدينية والمتطلبات الحضارية فأصبح عندهم التحقق الكامل لمفهوم “التدين الحضاري”، حيث اجتمعت فيهم مقاصد الدين ومقتضيات الحضارة، فإن كانوا في الدين فهم الواقفون عند أمره من حيث الالتزام بالأوامر والاجتناب للنواهي. وإن كانوا في الحضارة فهم أهلها الأصلاء، من حيث الذكاء والخدمة والنظام والتمكن البارع من الأخذ بأسباب التحضر دون إخلال بالمقاصد الإنسانية النبيلة من تسامح وكرم ونظافة ورحمة. ذلك هو المنهج الوسط الذي يجمع محاسن الأشياء، وينمي الجوانب الإيجابية أينما كانت، ويتقي المفاسد في أي جهة كانت”.
أيوب الطاهري (الإسلام في المغرب)
Source : https://dinpresse.net/?p=6547