في إطار سلسلة منشوراتها، فئة الإسلام وعلومه- مبادئ ونظريات، أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كتاب “ثقافة الحوار في الإسلام.. من التأسيس إلى التأصيل” لمؤلفه الأستاذ محمد الكتاني، عضو أكاديمية المملكة المغربية، ليتناول فيه موضوع ترسيخ ثقافة الحوار المستمد من القرآن، ومدى أهميته في بناء الثقافة الإسلامية.
وقد جاء الكتاب، في طبعته الأولى من الحجم المتوسط، ليشمل 291 صفحة، موزعة بين مقدمة وثمانية فصول، تناولت بالبحث والدراسة، مفهوم الحوار في المعجم العربي، مرورا بأنماط الحوار في القرآن، والقرآن الكريم مؤسسا لأسلوب الحوار، وكذا ممارسة الحوار في الثقافة الإسلامية، انتهاء بالتفعيل الحضاري لثقافة الحوار بمختلف أبعاده الغيبية، والعقدية والدعوية..
المقدمة
الفصل الأول: مفهوم الحوار ومرادفاته في المعجم العربي
الفصل الثاني: الحرية والاختلاف شرطان للحوار
الفصل الثالث: القرآن مؤسسا لأسلوب الحوار
الفصل الرابع: أنماط الحوار في القرآن وموضوعاته
الحوار الغيبي
الحوار العقدي
الحوار الدعوي
الفصل الخامس: من ممارسة الحوار إلى تأصيل مناهجه
الفصل السادس: قيم الحوار وآدابه
الفصل السابع: ممارسة الحوار في الثقافة الإسلامية
الفصل الثامن: التفعيل الحضاري لثقافة الحوار
في عصر يعيش على إيقاع الأزمات والصراعات السياسية والاجتماعية والعرقية، وأمام التطور الحاصل في وسائل الإعلام والتواصل، وتمازج الحضارات والثقافات، شدد الأستاذ الكتاني على أهمية تحكيم الحوار بين الأديان والثقافات، والاعتراف بحقوق كل منها، في إطار التعايش، واستنادا إلى قيم العدل والحرية والمساواة.
وبما أن مفهوم “الحوار” صار الأكثر تداولا في العقود الأخيرة من القرن الماضي، في تجاوز لدلالته المعجمية، خاصة بعد ظهور فكرة “صدام الحضارات” والجدل المثار حولها داخل الأوساط السياسية والفكرية، فإن الأستاذ الكتاني، وهو يربط المفهوم بالراهنية، يعتبر الحوار “سلوكا حضاريا مبنيا على منظومة من القيم الكونية، كالقبول بالتعددية والاختلاف، واعتبار التعايش بين الأمم والشعوب، والتعاون فيما بينها لرفع تحديات الفقر والأوبئة، وتلوث البيئة، ونضوب الموارد، حتمية من حتميات تاريخنا المعاصر”.
وفي مقابل ظهور فكرة “صدام الحضارات”، فقد أوضح الكاتب كيف أن التيار الداعي إلى السلام والتعايش بين الأديان والثقافات، قد عمل على ترسيخ فكرة “حوار الحضارات” الأمر الذي دفع بالجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة إلى اعتبار سنة 2001 سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات.
لقد أرخت الأزمة الحضارية العالمية، بظلالها على العالم الإسلامي، مهددة إياه في وجوده الديني وهويات شعوبه الثقافية، متهمة إياه بالتطرف والإقصاء، وبكونه المحرك الرئيسي لحركات الإرهاب في العالم. ولمواجهة مختلف هذه الاتهامات، التي وجدت لها ما يعززها في بعض المسلكيات الضالة، والضغوطات الاقتصادية الخارجية، تبنى الموقف الأصولي إنشاء “قاعدة” تنشر الرعب والإرهاب وتزعزع الأمن الدولي، الوضع الذي فرض على الحكومات الوطنية في البلدان الإسلامية، والدول الغربية التي طالها الإرهاب، اللجوء إلى تغليب منطق الهاجس الأمني.
وبعد القراءة التاريخية والسياسية للوضع، والظرفية التي أنتجت “القاعدة” والتي دعت إلى البحث عن وسائل حفظ الأمن والقضاء على الإرهاب، يرى الأستاذ الكتاني، أن التاريخ أثبت أن نهضة العالم الإسلامي وتنميته وإصلاحه، لا يمكن أن تأتي من الخارج، بل لابد من ترسيخ لـ”ثقافة الحوار” وتفعيل للقيم الدينية، لأن الإسلام، من وجهة نظره، هو المصدر الروحي الأساسي للحركات الإسلامية، رغم واقع التخلف الاجتماعي والأمية بين صفوف المسلمين. وهذا ما دفع بالكاتب إلى الدعوة إلى استرجاع ثقافة الحوار فيما بين المسلمين، واعتمادها في نسج علاقات جديدة، تقوم على التسامح وحق الاختلاف، وتنبع من منطق الإسلام وليس فقط استجابة لعوامل خارجية.
وبما أن الكاتب أوضح أن بحثه هذا، تمحور حول نقطتين، الأولى الحوار في القرآن، والثانية بناء الثقافة الإسلامية على الحوار في عصورها الزاهية، فقد خصص لهما، بالبحث والتحليل، الفصلين الثالث والسابع.
إذ في الفصل الثالث، تناول الأستاذ الكتاني بالتحليل، الوضعية التاريخية والسياسية والاقتصادية لمنطقة الجزيرة العربية والمناطق المجاورة وما عاشته من صراعات تجارية وحروب، وكذا تجاذب التيارات العقائدية السائدة بالمنطقة قبل مجيء الإسلام، مستشهدا بالآية 103 من سورة آل عمران، ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾.
ففي ظل هذه الوضعية، جاء القرآن الكريم، ليخاطب أتباع تلك المعتقدات السائدة في عصر النزول، ويحاورهم ويحاجهم ويجادلهم بالحسنى، معتمدا أسلوب الإخبار والتقرير، والاستفهام والأمر والنهي، والدليل على ذلك، هو الثماني مائة صيغة لفعل “قال”، “قالوا” والتي اعتمدها القرآن في أسلوب حواره، وكذا الاعتماد على أسئلة الاستفهام الاستنكاري، أحد السمات الأساسية للحوار ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت: 10)، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (الزمر: 36)، إضافة إلى مجادلة المخالفين، في قضايا العقيدة، بالتي هي أحسن مع ضرب الأمثلة والاستدلال بشتى أنواع القياس.
ورغم تعددية عقائد وثقافات الشعوب المتعايشة داخل إطار المجتمع الدولي، فقد أبرز الأستاذ الكتاني كيف اتسمت ثقافة الإسلام، تجاه المختلفين معه عقيدة ولغة، بروح التسامح والانفتاح، نتيجة تشجيع القرآن الكريم على ذلك، كونه يعتبر اختلاف الشعوب وسيلة للتعارف بينها وليس للتناكر.
وفي ظل هذه التعددية، وكما جاء في الفصل السابع، فإن المناخ السياسي والحضاري، ساهم في ازدهار الحوار، فكثرت المناظرات والجدال، وعجت المجالس والمنتديات بالعلماء والمفكرين، لمناقشة المحاور التي أثارت الجدل داخل الثقافة الإسلامية، وعلى رأسها قضية العلاقة بين الدين والفلسفة، إلى جانب مواضيع أخرى كموقف الفقهاء الأصوليين والمتكلمين من المنطق اليوناني، علم الكلام بين عالم التصديق وعالم الاستدلال البرهاني، الذي خلق قضية خلافية كبرى بين المسلمين والمتكلمين حول مسالة القول بخلق القرآن، ومظاهر الاختلاف في موضوع الفقه الإسلامي وأصوله.
وأمام هذه التحديات الخطيرة التي يواجهها الإسلام، من افتراءات و استفزازات الإعلام الغربي، وتفش للفقر والأمية داخل المجتمعات الإسلامية، حاول الأستاذ الكتاني، وكما جاء في مقدمة كتابه، “ثقافة الحوار في الإسلام.. من التأسيس إلى التأصيل” أن يميز بين الإسلام في معياريته وبين مختلف تجلياته التاريخية، مؤكدا على قيام الإسلام على ثقافة الحوار وترسيخ قيم التعايش والتسامح بين الأديان والثقافات.
كما حاول أن يبرئ الإسلام من ادعاءات الخارج، وتظليلات الداخل، وأن يبرز أيضا دور القرآن في ترسيخ ثقافة الحوار، وهداية الله سبحانه وتعالى للعالمين، والمبنية على أساس الدعوة إلى التوحيد بالتي هي أحسن، ومواجهة الاختلاف بين القبائل والشعوب بالحوار والانفتاح، مستخلصا الصورة الحقيقية في خلق حضارة عالمية، وجهتها روح الحوار والتعايش بين الأديان والأعراف الثقافية، مرتكزا إلى كون أن الإسلام كان رائدا في بناء ثقافة الحوار في العالم، حسب ما استخلصه الأستاذ الكتاني.
عن موقع الرابطة المحمدية للعلماء (فاطمة الزهراء الحاتمي)
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7027