حسن الهديس. باحث مغربي يقيم في أمريكا
هذا كتاب غني بمعلوماته وأفكاره، متسلسل ودقيق في تحليله ممتع ومرتب، سهل وغير متعب، وأزعم أن هناك عدة عوامل أساسية تقف وراء التعريف به:
1 ــ مسعد مسيحي الديانة ويكتب عن الاسلام ويدافع عنه بأفكار أقوى بكثير لو كان الكاتب مسلماً، ثم ينتصر لأطروحاته ليبين بياض الاسلام من خلال فضح المخططات التي أرادت أن تنال من صورة الإسلام والمسلمين، وهذه الروح في الكتابة صعبة جدا، وصعب ان تتحلى فيها بالموضوعية.
2 ــ هناك موجة صاخبة تتوسع وتحمل فكرة موغلة في التقزيم، تنفي عن العرب والمسلمين أي إسهام في الحضارة الإنسانية، ومن المؤسف أن يتبنى هذا الخطاب مع الغرب ثلة من أبناء العرب والمسلمين، وهذا تجني حقيقي وادعاء تكذبه شهادات عدة أعلام غربية.
هذا معطى يذكرنا بما صدر عن الباحث نوح يوفال هراري عندما أغضب بعض اليهود من كونه لم يتقدم في كتابه “العاقل” بأي ميزة لليهود، اعترافاً لهم بإسهامهم في التاريخ البشري، فعلق يوفال هراري عليهم في كتابه الموالي، مؤكدا أن الذي طبع الحضارة البشرية بإسهاماته كانوا هم من انتسب للمسيحية ومن انتسب للإسلام، أما اليهود فهم بمثابة “أم إنشتاين” مقارنة مع “إنشتاين الابن”، ومعلوم هنا أن أغلب الحائزين على جوائز نوبل للعلوم هم من اليهود.
3 ــ مع تصاعد الخطاب الليبرالي واستفحال الليبرالية المتوحشة اليوم لابد من فهم موقع الاسلام في مخيالها وبرامجها وكيف تقرأه.
4 ــ شغل الإسلام شغل الغرب (سلباً وإيجابا) ففي الماضي كما الحاضر شغل العقل الغربي بشكل جعله نقطة مركزية ضمن اعتباراته وحساباته. وقد أنتجوا لسنوات طويلة سرديات ليلحقوا بالإسلام ما شاؤوا من أوصاف وتُهم، كانت كافية أن تشكل وعياً جمعياً عند الكثير، حتى أصبح الخروج عن ذلك الوعي “هرطقة ” ضعيف تأثيرها، لكن مع كل هذا فقد شهد كل عصر صوتا ــ قد يُعتبر نشازا ــ لشخصيات كانت على غير تلك الشاكلة لها من الجرأة أن تغرد خارج السرب. لم تتلوت بخطاب الغرب الأوحد، وتفردت بنقاء ذهنها وصفائه في تحليل علاقة العامة والتاريخية بينهما، وبينه وبين الروافد الثقافية العربية أيضا.
كتاب جوزيف مسعد يستحضر بقوة الفيلسوفة والمؤرخة والأنثروبولوجية وعالم النفس المتخصصة في الفكر الأوروبي، والصوت الأكاديمي من داخل أرقى جامعات أمريكا اليوم، أي توموكوا ماسوزاوا [TOMAKO MASUZOWA].
تستطيع ماسوزاوا أن تشهد بجرأة بدور الإسلام في تشكيل أوروبا القديمة، وتشكيل عقولها لبناء تلك الحضارة الأوروبية التي جمعت أطياف من البشر في امبراطورية موحدة، استطاعت أن تتوسع بحملاتها العسكرية والاستكشافية في العالم كله، وانتهت على الى خيار الديمقراطية والتحكم في مسارات وخيارات الدول.
ماسوزاوا المؤرخة التي تلمح إلى العلاقة الاولى التي تقاطع فيها الحضور الإسلامي بالغربي، وهو ما يؤكده قبلها بزمن طويل Henri Pirenne في كتابه “محمد وشارلمان” [Mohamed and Charlemangane] ينتصر فيه لدور قادة الاسلام ويقول فيه بوضوح “لولا محمد [صلعم] ما كان لشارلمان أن يكون في الحسبان”، والملك شارلمان كما هو معلوم، هو “ملك الأفرنجية” كما سماه العرب، وأول إمبراطور روماني مقدس، شخصية جاءت بعد قرن من وفاة النبي محمد (صلعم)، وكأنه في نظري أحد “التابعين خارج العقيدة ” الذي استلهم في بناء ما سمي من بعد أروبا استجماع الأعراق والطوائف المتفرقة لبناء إمبراطورية على هوية وعقيدة واحدة.
إذا استوعبنا هذه المقاربة من هاتين الشهادتين تيسر لنا فهم لٍما تأتى لصاحب الموسوعة الثقافية لتاريخ الأدب الأوروبي (8 مجلدات كبرى) الإسباني خوان أندريس، القس والمؤرخ والفيلسوف من داخل اديرة وكنائس إسبانيا، أن يظهر تبعية الأوروبي للعربي ثقافيا، بل أن يتوسع أكثر بقوله إنه “من المسلمين والعرب أخذت أوروبا الورق والأرقام، والبارود والبوصلة، والبندول وقانون الجاذبية، ونسبوها لهم فيما بعد أن كانت شيئا مجهولا في أبحاث علمائهم وفلاسفتهم”. للدكتور المصري حسين مؤنس رحمه الله، عدد جوانب كثيرة في مثل هذه القضايا.
لا شك وبذون تأكيد ان الاوساط الأوروبية الاكاديمية تتحرج من شهادة مرجع وقس خبر المخطوطات في اديرة اسبانيا كان اسمه خوان أندريس ولا تزال موسوعته مرجعا للثقافة الأوروبية لا يستطيع باحث تجاوزها.