يُقدّم كتاب “الألواح المحطمة: نهاية القرن اليهودي الأمريكي ومستقبل الحياة اليهودية” للكاتب “جوشوا لايفر” رؤية نقدية وتحليلية حول التحولات الجذرية التي شهدتها الهوية اليهودية الأمريكية في العقود الأخيرة. ويستعرض الكتاب التاريخ العميق للجالية اليهودية في الولايات المتحدة، مع التركيز على التحولات الجيلية والتحديات الراهنة التي تواجه الهوية اليهودية.
يبدأ “لايفر” بتحديد ثلاث ركائز أساسية شكّلت هوية اليهود الأمريكيين في منتصف القرن العشرين: التكيف والاندماج في المجتمع الأمريكي، مع الحفاظ على الهوية اليهودية، والدعم القوي لإسرائيل كدولة يهودية، والذي أصبح محورا رئيسيا للهوية اليهودية الأمريكية بعد حرب الأيام الستة عام 1967، والالتزام بالقيم الليبرالية، مثل العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ويشير “لايفر” إلى أن هذه الركائز بدأت في الانهيار، مما أدى إلى أزمة هوية بين اليهود الأمريكيين، خاصة مع تراجع الارتباط الديني التقليدي.
ويُسلط الكتاب الضوء على كيفية تلاشي ذاكرة المحرقة مع مرور الزمن ووفاة الناجين، مما يُضعف الرابط العاطفي والتاريخي الذي كان يُوحّد الجالية اليهودية، بالإضافة إلى ذلك، يُناقش الكاتب كيف أصبح الدعم غير المشروط لإسرائيل بديلا عن الممارسات الدينية والتقاليد الثقافية، مما أدى إلى تهميش جوانب أخرى من الهوية اليهودية.
ويوضح “لايفر” الفجوة الجيلية بين اليهود الأكبر سنا، الذين يظلون متمسكين بالركائز التقليدية، والشباب اليهودي، الذين يبحثون عن طرق جديدة للتعبير عن هويتهم اليهودية، مبرزا حركات جديدة تُركز على العدالة الاجتماعية، وتُعيد تفسير النصوص الدينية بطرق تتماشى مع القضايا المعاصرة، مثل حقوق المثليين والمساواة العرقية.
ويوجّه الكاتب نقدا للمؤسسات اليهودية التقليدية، مثل اللجنة اليهودية الأمريكية ورابطة مكافحة التشهير، التي يراها متأخرة في الاستجابة للتحديات الحديثة ومتمسكة بنهج قديم لا يتماشى مع احتياجات الجيل الجديد، ويشير إلى أن هذه المؤسسات أصبحت تعتمد بشكل متزايد على تبرعات الأثرياء، مما أدى إلى انفصالها عن القاعدة الشعبية للجالية اليهودية.
في ظل هذه التحديات، يستكشف صاحب الكتاب السبل التي يسلكها الشباب اليهودي لإعادة تعريف هويتهم، ملاحظا زيادة الاهتمام بالتعلم الديني التقليدي والممارسات الروحية، بالإضافة إلى الانخراط في حركات العدالة الاجتماعية التي تتماشى مع القيم اليهودية، ومشيرا إلى تنامي الحركات المناهضة للصهيونية بين بعض الشباب اليهودي، الذين يسعون إلى فصل هويتهم اليهودية عن السياسات الإسرائيلية.
ويختتم لايفر كتابه بالتأمل في مستقبل الحياة اليهودية في أمريكا، مُعربا عن تفاؤله الحذر بإمكانية بناء هوية يهودية جديدة تتجاوز الركائز التقليدية وتتكيف مع التحديات والفرص الحديثة، يُشدد على أهمية الحوار المفتوح والتفكير النقدي في تشكيل مستقبل الجالية اليهودية.
ويُعدُّ “الألواح المحطمة” تحليلًا ثاقبا للتغيرات والتحولات التي تواجه الجالية اليهودية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، من خلال الجمع بين السرد الشخصي والتحليل التاريخي، ويُقدّم رؤية شاملة للتحديات والفرص التي تُواجه اليهود الأمريكيين اليوم، داعيا إلى إعادة التفكير في الهوية اليهودية بطرق تتماشى مع القيم والتطلعات الحديثة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=22301