
عبد الإله الجوهري
للأسف، هناك من يعتبر المهن الفنية مجرد أكل عيش وليس رؤية وأخلاق ومسؤولية، وبالتالي يمنح نفسه حق مزاولتها دون احتكام للمرجعيات الفنية أو احترام الخلفيات الثقافية التي تؤطّر مرجعياتها الإبداعية وتحافظ على قدسيتها.
من بين هذه المهن الأكثر تعرضا للظلم بالمغرب، مهنة التمثيل، علما أن التمثيل موهبة ربانية وقدرة إبداعية وجب احترامها والايمان برسائلها الفكرية والجمالية، وليس اعتبارها وسيلة للكسب السريع وملئ الفراغ وعدم التفكير في رهانات كل دور دور على حدة الذي يتطلب موهبة خلاقة وجهدا وتركيزا كبيرين.
الممثل الحق الذي يحترم نفسه وفنه يشتغل على الدور مدة طويلة لا تسمح له بأن ينشغل بدور آخر في نفس إلتزامه بدور ما، أو تعامله معه كما لو أنه مهمة سهلة يكفي الوقوف أمام الكاميرا وإلقاء الحوار وتغيير ملامح الوجه، بل هو مكابدة وتمثل حقيقي لمتطلباته العامة والخاصة التي تمنحه نسغ الوجود وتمنحه الخلود في كتاب التمثيل الخلاق.
الممثل الحق، من المفروض أن يكون مهووسا بما يقدم لجمهوره ويظل مهموما به حد التماهي معه والعيش في جلبابه مدة طويلة. وقبل ذلك الاشتغال عليه بتنسيق تام مع المخرج وباقي التقنيين والفنيين. اقرؤوا عن تجارب الممثلين الذين يؤمنون ويحترمون مهنة التمثيل، ستتفاجأون بسير البعض منهم.
هناك من الممثلين من ظل لابسا متعايشا مع الدور المسنود له بعد الانتهاء من التصوير لأكثر من سنة، حالة العظيم “دانيال داي لويس” مع تجاربه في أفلام عديدة خاصة فيلم “لنكولن” وكيف تلبسه الدور حد أنه كان يصرخ في وجه من يناديه باسمه قائلا له: “أنا لنكولن وليس دانييل”، وقد ظل على هذه الحالة لأكثر من ستة أشهر، وقد وقع له أمر غريب بعد فوزه بجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم “رجلي اليسرى” حيث اختفى مباشرة لمدة عامين، قبل أن يعود للوقوف أمام الكاميرات، فالدور سلب منه كل قدرة على تشخيص أي دور آخر، كما صرح في أحد حواراته، فقد سلب منه طاقته الإبداعية، واستنزف قدراته على لعب دور آخر في الحال، لهذا راح يبحث عن نفسه التي ضيعها، خلال الشهور التي جسد فيها شخصية رسام معاق يرسم بقدمه اليسرى، إلى أن أحس أنه استعادها فعاد لتمثيل شخصية أخرى بعد سنتين، نعم سنتان من الغياب بحثا عن الإلهام.
الممثل، من المفروض، أنه مبدع بفنه وموهبته والتزامه بأخلاقيات المهنة، وليس كائنا خبزيا يبحث عن الربح السريع، والتسابق مع الزمن للعب أكبر عدد من الأدوار، وتسمين الرصيد المالي في البنك، والمزايدة على زملائه في برامج تلفزية طلبا للشهرة.
“كاد الممثل أن يكون رسولا”. نعم، الممثل مثله مثل المعلم، فهو حامل للمعرفة والقيم الأخلاقية ومحافظ على الهوية الثقافية لبلده، وليس شناقا واقفا عند باب الشركات يستجدي الأدوار ويبحث عن لقمة العيش كيف ما اتفق. يبدو أننا ضيعنا مهنة التمثيل كما ضيعنا دور المعلم، ومن هنا بدأ زحف الظلام والخراب.
مع احترامي لكل الممثلين المغاربة، أقول لهم: أن هناك قيما سلبية بدأت تتسلل للوسط الفني المغربي من خلال هجمة البعض منكم، سامحهم الله، على الفن، دون أدنى وازع أخلاقي أو مسؤولية فنية تثبت أنه ليس بفنان، الشيء الذي سيكرّس صورا نمطية عن الممثل المغربي، وعن مهنة أعتبرها من أشرف وأرقى المهن.
فكونوا أكثر وعيا بمسؤولياتكم وشرفكم وشرف بلدكم، وأنتم تختارون نوعية أدواركم التي يجب أن تكون متناسبة مع الإمكانيات الفنية لكل واحد منكم، هذا دون الإفراط في المشاركات وعددها كل سنة، لأن ذلك قتل للموهبة وتشويه للسمعة.
وكل عام والممثل المغربي بألف خير.
ـــــــــــــ
رابط صفحة الكاتب على فيسبوك
المصدر : https://dinpresse.net/?p=23981