قول عاجل في خرافة انشقاق القمر
محمد ابن الأزرق الأنجري
أولا :
نؤمن بقوله تعالى في سورة القمر : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ، بمعنى : إذا اقتربت الساعة / القيامة قربا شديدا سينشق القمر ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ).
ونرفض الخرافة القائلة بأن القمر انشق زمن النبي صلى الله عليه وسلم نصفين ثم التحم مجددا لأن انشقاق القمر من شأنه أن يحدث الدمار في الأرض ، ولأنها حادثة لو حصلت لسجلتها الدوائر العلمية حينئذ في البلاد المتمدنة ، ولبقيت آثار ذلك في القمر ، ولأن القرآن الكريم صرح بانتهاء الآيات الكونية وامتناعها فقال الله سبحانه : ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) .
قال الطبري في تفسيره : ( يقول تعالى ذكره: وما منعنا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك، إلا أن كان من قبلهم من الأمم المكذّبة، سألوا ذلك مثل سؤالهم؛ فلما آتاهم ما سألوا منه كذّبوا رسلهم، فلم يصدّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا فلم نرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليها، فكذّبوا بها، سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلها.
وبالذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك … ) هـ
فما كنا لنصدق الرواية ونترك الآية .
ثانيا :
يزعم مروجو الخرافة أنها متواترة قطعية الثبوت وهم مقلدون أو واهمون أو كاذبون أو مدلسون …
فالقصة مروية عن أنس بن مالك، وجبير بن مطعم، وحذيفة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين .
أما أنس فمن أهل المدينة وكان قبل الهجرة صبيا ، فكيف حضر الواقعة ؟
وأما ابن عباس فلم يكن مولودا !
وأما ابن عمر فكان قبل الهجرة طفلا ولم يصح سند خبره .
وحذيفة كان قبل الهجرة بالمدينة وليس بمكة ، وسند روايته ضعيف .
وجبير بن مطعم كان مشركا قبل الهجرة وحديثه ضعيف أيضا .
والصحابي الوحيد الذي صح الخبر عنه وكان موجودا بين المسلمين قبل الهجرة وصرّح برؤية القمر منشقا ، هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ومنه أخذ الباقون خبر الانشقاق .
فكيف يدعي المنتسبون للعلم والفكر أن خرافة انشقاق القمر متواترة وهم يعلمون شروط التواتر ؟
لو صحت أحاديث هؤلاء كلهم ما كانت القصة متواترة إلا عند طائفة قليلة من المحدثين مع شرط أن يصرحوا جميعهم بمشاهدة انشقاق القمر ، أو ينسبوا جميعهم سماع الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بشرط أن ترويه عن كل واحد منهم جماعة من التابعين ثم جماعة من أتباعهم …
إن أحاديث هؤلاء الصحابة من طريق الآحاد إليهم ، فلم يتواتر عن أي واحد منهم ذلك .
فأرجو ان يخجل الزاعمون للتواتر من انفسهم أولا ومن المتابعين ثانيا .
ثالثا :
لم يذكر أحد من الصحابة أنه سمع قصة الانشقاق من النبي نفسه ، بل أرسلوا الخبر مسقطين الصحابي الذي منه سمعوا الخبر وهو ابن مسعود ، ولا مجال للزعم بأنهم سمعوها من النبي أو الصحابة الاخرين افتراضا ، فالصحابي الوحيد الذي روى الخبر على أنه حضره وشاهده هو ابن مسعود حصرا .
قال في رواية : ( انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر ) .
وفي أخرى : انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله ﷺ: ” اشهدوا ” .
ومن حقنا أن نشك في روايته المنفردة ، إذ لو صح أن الحدث وقع بمكة والصحابة مع رسول الله والمشركون حاضرون ، لذاع الخبر لجلالته وتناقلته كافة الصحابة ، ولأظهره من تأخر إسلامه منهم وكان مكيا ، وهو ما لم يحصل ، فهناك خلل حتما وحلقة مفقودة توصلنا إلى أن ابن مسعود لم يضبط الحدث جيدا .
فماذا يمكن أن يكون قد حدث ؟
رابعا :
روى الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد قال: كُسف القمر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: سَحَر القمر ، فنزلت: ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولواسحر مستمر) .
فالذي حصل من خلال هذه الرواية هو أن إشارة النبي للقمر صادفت كسوفه ، فظن المشركون أنه سحره لأنهم ينظرون بعين السخط ، وظن ابن مسعود أنه انشق لأنه ينظر بعين الرضا ، ثم صار يحدث على أنه حادثة انشقاق .
قال في رواية : انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر .
وفي ثالثة : لقد رأيت جبل حراء بين فلقتي القمر، فذهب فلقة، فتعجب أهل مكة من ذلك وقالوا: هذا سحر مصنوع سيذهب.
وكل ما حكاه ابن مسعود ينطبق على أحوال الخسوف والكسوف .
ويبدو أن المشركين الذين حضروا الواقعة لم يحصل في حياتهم خسوف ولا كسوف ، أو حصل ولم يروه ، فلم يكونوا يعرفونه ، لذلك ظنوه سحرا ، والخسوف والكسوف آيتان كونيتان بنص الحديث الصحيح أيضا .
وفي العالم اليوم من لا يعرف الخسوف والكسوف ولم يره على الرغم من قوة وسائل الإعلام .
خامسا :
روايات القصة مضطربة متنافرة ، ففي بعضها أن التحدي جاء من أهل مكة ، وفي أخرى أنه تحد من اليهود للنبي ، وأما الجبلان اللذان ظهر عليهما شقا القمر فحدث ولا حرج .
في رواية : رأوا نصفا على أبي قبيس ونصفا على قعيقعان .
وفي ثانية : أحدهما على الصفا والآخر على المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه ثم غاب.
وفي ثالثة : فرقتين فرقة خلف الجبل ، دون تحديده وتحديد جهة الفرقة الثانية .
وفي رابعة : فرقة فوق الجبل الذي بمنى.
وفي خامسة : منشقا باثنتين بينهما حرا، أي لم يكونا على جبلين
وفي بعض الروايات أنه حصل ليلا ، وفي أخرى تقدمت أنه كان بين العصر إلى الغروب .
فليتفق الرواة على قصة واحدة ليستحق خبرهم النظر المعتبر .
سادسا :
بعض المغاربة من فرط حبهم وشوقهم ، رأوا السلطان محمدا الخامس في القمر أوائل الاستقلال !
وبعض الصحابة كابن مسعود إن صح عنهم خبر الانشقاق ، إنما سمعوا قوله تعالى ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) بعدما تحدى المشركون النبي صلى الله عليه وسلم ، فتخيل هؤلاء الصحابة أن القمر انشق فعلا !!!
عاطفتهم دلست عليهم فرووا ما ما تخيلوا على أنه واقع !!!
الناس الْيَوْم يَرَوْن السحب فيتخيلون أنها تكتب اسم الجلالة الله أو النبي محمد أو كلمة التوحيد …كل ذلك بوحي العاطفة الدينية .
وحين كنّا صغارا ، قيل لنا إن في القمر صورة الحصان وغيره ، فرأيناها فعلا وتخيلناها !!!
كل هذا عجالة ، إذ لَم أتفرغ لدراسة أسانيد القصة والمقارنة بين رواياتها للكشف عن مدى سلامتها من التحريف والكذب والدس على ابن مسعود خاصة .
فماذا عساهم الفضلاء الذين يشبهون خرافات أبي هريرة بما ورثوه من تفسيرات خرافية لبعض آيات الكتاب الحكيم يقولون ؟
انس
اولا ابن الازرق استدل بتفسير الطبري فلماذا لم يستدل به في اية انشقاق القمر حيث قال الطبري : < اقتربت الساعة وانشق البقمر ” قال الطبري في تفسير الاية ” يقول جل ثناؤه ” وانفلق القمر و كان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بمكة قبل هجرته الى المدينة و ذلك أن كفار أهل مكة سألوه اية فأراهم صلى الله عليه و سلم انشقاق القمر اية حجة على صدق قوله و حقيقة نبوءته فلما أراهم ذلك أعرضوا و كذبوا و قالوا هذا سحر مستمر سحرنا محمد فقال جل ثناؤه ” ان يروا اية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر ” و بنحو ما قلنا في ذلك جاءت الاثارو قال به أهل التأويل . انتهى الطبري , لنعلم انه الهوى فقط و الغاية هي اسقاط السنة , عموما نواصل الرد وسابدا من هذه النقطة تحديدا ; والصحابي الوحيد الذي صح الخبر عنه وكان موجودا بين المسلمين قبل الهجرة وصرّح برؤية القمر منشقا ، هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، ومنه أخذ الباقون خبر الانشقاق . اقول لو صح كلام ابن الازرق كون ابن مسعود كان وحده فهذا لا يقدح في صحة الخبر و ليس شرطاً لصحة الرواية أن يرويها عن النبى صلى الله عليه و سلم الكثرة بل بل يكفى لصحة الحديث أن يرويه عن النبي صلى الله عليه و سلم و لو صحابي واحد قال ابن الصلاح : " أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً " ’ على سبيل المثال حديث :"إنما الأعمال بالنيات ..."(17) فهذا من أهم الأحاديث فى الإسلام و وصفه بعض العلماء أنه نصف الإسلام ، و كل من يصنف فى الفقه أو الحديث يذكر هذا الحديث فى كتابه ، و لكن مع ذلك لم يرو الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا عمر بن الخطاب و لم يروه عن عمر رضى الله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي و لم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي و لم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، و مع ذلك فالحديث صحيح فالمهم أن يكون كل رواة الحديث ثقات أى عدول ضابطون و أن لا يكون فى الحديث شذوذ و لا علة فهل نرفض هذا الحديث لان راويه واحد و بما أن جميع الصحابة عدول و الله عز و جل عدلهم فى كتابه فلا يهم إن كان الصحابي الذى يروى عن النبي صلى الله أبو بكر و عمر رضى الله عنهما أو غيرهما المهم أن يكون صحابياً فكل الصحابة صادقون يحفظون الحديث قال الله عز و جل :" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة:100 , لكن ابن الازرق لا يفهم هذه الامور و هذه المعجزة حدثت ليلاً و شاهدها من كان مستيقظاً حينها فقد لا يكون أبو بكر و عثمان و على و عمر رضى الله عنهم ممن كان مستيقظاً حينها أو ممن كانوا مع النبى صلى الله عليه و سلم . أما بخصوص أن هذه معجزة كبيرة فكيف يكون ابن مسعود شاهدها الوحيد ، فعلينا أن نبيَّن أن هناك فرقاً بين أمرين : 1- من شهد معجزة إنشقاق القمر. 2- عدد رواة قصة إنشقاق القمر و أحوالهم. فعند الحديث عن من شهد معجزة انشقاق القمر ، فنحن نتحدث عن واقعة حدثت و كان هناك أشخاص وقت حدوثها شهدوها ، و إذا ثبت ذلك نقول أن المعجزة عليها شهود كثر ، و ذلك حدث مع معجزة إنشقاق القمر فنقول أن هذه المعجزة عليها شهود كثر فقد شهدها الصحابة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم : عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : انشَقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شِقَّينِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( اشهَدوا( الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم : 3636 – خلاصة حكم المحدث : صحيح و شهدها المشركون الذين طلبوها : قال الله عز و جل : و إنْ يَروا آيَةً يُعْرضوا و يَقولوا سِحْر مُسْتمر ( القمر:2) و شهدها من كان مسافراً حينها كذلك : عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهما قال : انشقَّ القمرُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت قريشٌ هذا سحرُ ابنُ أبي كبشةَ فقالوا أنظروا ما يأتيكم بهِ السُّفَّارُ فإنَّ محمدًا لا يستطيعُ أن يسحرَ الناسَ كلهم قال فجاءَ السُّفَّارُ فقالوا ذلك الراوي: عبد الله بن مسعود المحدث: ابن كثير - المصدر: أخرجه البخارى و أبو داوود الطيالسى فى مسنده- خلاصة حكم المحدث : إسناده قوى وله طرق. اذن فليس ابن مسعود من شهدها وحده كما زعم الانجري أما عند الحديث عن رواة حديث انشقاق القمر و عددهم فهذه قضية فى علم الحديث تتعلق بحصر عدد طرق الرواية و ليس فيها دليل على عدد الذين شهدوا المعجزة ، فليس شرطاً أن كل من شاهد انشقاق القمر يروى ذلك فإن هناك كثيراً ممن شهد الواقعة و لم يروها كالمشركين الذين رأوها مثلاً ، فهذه مسألة و هذه مسألة أخرى ، و قبل ان نرد على ابن الازرق لا باس ان نلزمه بقاعدة ذكرها في رده على الدكتور الريسوني حول حديث الخلافة فقال ابن الازرق ; : هل تؤمن بالقاعدة الحديثية القائلة: إن الحديث الضعيف إذا كان له طريقان ضعيفان، أو طريق واحد ضعيف ووجدت له شواهد تتضمن معناه، لزم تحسينه، فإذا تعددت طرقه وتكاثرت، صار صحيحا وإن كانت كلها ضعيفة على انفراد؟ فنلزمه بها كما قيل من فمك ادينك -رواية عبد الله بن عمر رضى الله عنهما : وجه الإعتراض : ابن عمر رضى الله عنهما كان صغير السن وقت حدوث المعجزة فكان عمر ابن عمر رضى الله عنهما فى الخامسة أو السادسة من عمره. الـــــــــــــــــــــــــــــــرد : أولاً: كان من المفترض أن يأتى بشروط الحديث الصحيح عند علماء الحديث ثم يقوم بعرض هذه الأحاديث على شروط الحديث الصحيح و من خلال ذلك يبين إذا كانت الرواية صحيحة أم ضعيفة ، لكنه لم يفعل بل اخترع شروطاً خاصة به !!! و نحن سنبين هل هذه الروايات صحيحة أم ضعيفة على شروط علماء الحديث شروط الحديث الصحيح : 1- اتصال السند. 2- عدالة الرواة. 3- ضبط الرواة. 4- انتفاء الشذوذ. 5- انتفاء العلة. قال ابن الصلاح : " أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذى يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه و لا يكون شاذاً و لا معللاً "(18) قال عمر بن محمد البيقوني فى المنظومة البيقونية : أولها الصَّحيْح و هو ما اتَّصَل .......إسناده و لم يَشُذَّ أو يُعَلّ يرويه عَدْل ضابط عَنْ مِثْلِه ........ مُعْتَمَد فى ضَبْطه و نقله (19) فلابد أن يتصل السند بأن يسمع كل راوٍ عمن فوقه ، و أن يكون كل الرواة عدول ضابطون و لا يوجد فى الحديث شذوذ و لا علة. و كل شرط من هذه الشروط يطول شرحه لكننا سنقتصر على الشروط التى يجب أن تتوفر فى رواة الحديث 1- أن لا يكون كافراً . 2- أن يكون مكلفاً فلا يكون غير بالغ-صبى- و لا كافر و لا مجنون. 3- أن لا يكون متلبساً بفسق. 4- أن لا يكون متلبساً بخوارم المروءة. 5- أن لا يكون مغفلاً قال ابن الصلاح : "أجمع جماهير أئمة الحديث و الفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً،ضابطاً لما يرويه.و تفصيله أن يكون مسلماً بالغاً،عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق و خوارم المروءة،متيقظاً غير مغفل ، حافظاً إن حدث من حفظه ، ضابطاً لكتابه..."(20) و الضبط باختصار: الإتقان و الحفظ الجيد عند التحمل-أى سماع الحديث- و عند الأداء-أى رواية الحديث، كما جاء فى كلام ابن الصلاح. فحتى نقول أن رواية ابن عمر رضى الله عنهما لا تقبل روايته يجب أن يكون غير عدل أو غير ضابط ، و ابن عمر رضى الله عنهما عدل ضابط تقبل روايته لكنه كان صبياً وقت حدوث المعجزة و حتى يكون الراوي عدلاً يجب أن لا يكون صبياً فكيف تُقْبَل روايته؟ الإجابة : العدالة تشترط عند الأداء – أى عند رواية الحديث- فقط و ليس عند سماع الحديث أو شهود القصة أو الواقعة التى يرويها ، فنعم يجب أن لا يكون الراوي صبياً لكن هذا يجب عندما يروى الحديث لمن بعده و ليس عند شهوده على معجزة انشقاق القمر أو سماع الحديث الذى يرويه ، و ابن عمر رضى الله عنهما شهد على القصة و هو صغير لكنه رواها و هو بالغ و هذا يجعل روايته صحيحة فالعدالة تشترط عند الأداء فقط – أى رواية الحديث لمن بعده. قال ابن الصلاح : " يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام و روى بعده ، و كذلك رواية من سمع قبل البلوغ و روى بعده "(21) فإذاً رواية ابن عمر رضى الله عنهما صحيحة بالرغم من كونه صغيراً وقت حدوث معجزة إنشقاق القمر ، فيصح سماع الصبي و شهود القصة التى يرويها رواية عبد الله بن عباس و أنس رضى الله عنهما : وجه الإعتراض : عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ولد قبل حدوث معجزة إنشقاق القمر و أنس بن مالك رضى الله عنهما لم يكن موجوداً وقتها بل صار خادم النبي صلى الله عليه و سلم لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و المعجزة حدثت فى مكة . الــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد: عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فعلاً ولد صغيراً ، لكن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ظل يطلب العلم و حرص على أن يتعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ما فاته تعلمه من النبي صلى الله عليه و سلم ، فكان لا يسمع أن أحداً معه حديث إلا و سارع إليه و سأله عنه ، و يقول ابن عباس رضى الله عنهما : "إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم"(22) و قال رضى الله عنه أيضاً: " لما قبض رسول الله قلت لفتى من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا بن عباس!! أترى الناس يفتقرون إليك، وفيهم من أصحاب رسول الله من ترى؟؟ فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله. فان كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتي إليه وهو قائل في الظهيرة، فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، حتى ينتهي من مقيله، ويخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول لا، أنت أحق بأن أسعى إليك، فأسأله عن الحديث وأتعلم منه"(23) فابن عباس رضى الله عنهما لم يشهد المعجزة لكنه نقلها عن صحابة آخرين ، و يصح أن يروى صحابي عن صحابي -و إن لم يذكر اسمه - فجميع الصحابة عدول ضابطون . أما رواية أنس بن مالك رضى الله عنهما ، فهناك ثلاثة احتمالات : 1- أن يكون تلقاه عن باقى الصحابة رضى الله عنهم. 2- أن يكون أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم مباشرة. 3- أن يكون أخذ ذلك من الجميع. و فى كل هذه الاحتمالات تصح الرواية ، فإنه يصح أن يروى صحابي عن صحابي آخر و كل الصحابة صادقون حافظون ، و إن كان تلقاه عن النبي صلى الله عليه و سلم تصح الرواية كذلك ، و إن كان أخذ الرواية عن الجميع فهذا يثبت أنه كان الكثير جداً يعرفون بوقوع هذه المعجزة للنبي صلى الله عليه و سلم . فروايتي ابن عباس و أنس رضى الله عنهم صحيحتان رواية جبير بن مطعم رضى الله عنه: قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين : فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه ، وأسنده البيهقي في " الدلائل " من طريق محمد بن كثير ، عن أخيه سليمان بن كثير ، عن حصين بن عبد الرحمن ، [ به ] . وهكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل وغيره عن حصين ، به . ورواه البيهقي أيضا من طريق إبراهيم بن طهمان وهشيم ، كلاهما عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده فذكره .فالحديث صحيح عن جبير بن مطعم أخرجه الترمذي في سننه كتاب تفسير القران باب سورة ااقمر و صحح اسناده الالباني في صحيح و ضعيف سنن الترمذي و لا ننسى قاعدة ابن الازرق اعلاه و الغريب ان ابن الازرق قال ولأظهره من تأخر إسلامه منهم وكان مكيا ، وهو ما لم يحصل ،وجبير نفسه قد تاخر اسلامه رواية حذيفة رضى الله عنه : روى أبو نعيم في (الدلائل) من طريق عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ) اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمر(القمر:1) ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، فلما كانت الجمعة الثانية انطلقت مع أبي إلى الجمعة فحمد الله وقال مثله وزاد ألا وإن السابق من سبق إلى الجمعة، فلما كنا في الطريق قلت لأبي: ما يعني بقوله - غدا السباق - قال: من سبق إلى الجنة. قال ابن الازرق وحذيفة كان قبل الهجرة بالمدينة وليس بمكة ، وسند روايته ضعيف . فنقول العبرة بالسند ثم ان حذيفة لم يقل حضرت بل قال ان القمر قد انشق وان حرف توكيد فما الضير ان كان حذيفة نقلها من عند صحابي اخر فالصحابة كانوا يعلمون بعضهم بعضا و لا يتهمون بعضهم بعضا ولا ندري من اين جاء ان الرواية ضعيفة ربما هي العجالة كما قال فان العجلة من الشيطان قال ابن الازرق روى الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد قال: كُسف القمر على عهد رسول الله ﷺ فقالوا: سَحَر القمر ، فنزلت: ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولواسحر مستمر) . قلت قال الطبراني في الأوسط 8315 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَيْعِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: سَحَرَ الشَّمْسَ، «فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ} [القمر: 2] الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، إِلَّا الْبُرْسَانِيُّ " كتاب الأوسط للطبراني خصصه لغرائب شيوخه فكيف تعل رواية فيه رواية الصحيح الله أكبر ! والبرساني هذا صدوق قد يخطيء والطبراني صرح بتفرده والواقع أن ذكر ابن عباس في الرواية وهم وذكر الكسوف في الرواية وهم آخر قال عبد الرزاق في المصنف 4941 - عن بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن عكرمة مولى بن عباس قال كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا سحر القمر فقال النبي صلى الله عليه و سلم اقتربت الساعة وانشق القمر إلى مستمر فهذا هو المحفوظ المرسل فلا ذكر لابن عباس ثم إن سفيان بن عيينة وهو أوثق الناس في عمرو بن دينار رواه بلفظ انشق القمر جاء في جزء سعدان 55 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، سُحِرَ الْقَمَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويقولوا سحر مستمر}. وقال نعيم بن حماد في الفتن 1682 - حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقَّتَيْنِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سِحْرٌ، فَنَزَلَتِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2] " ولو فرضنا أن رواية عكرمة بغير لفظ الانشقاق فروايته مرسلة مناقضة للمتصل والمتواتر في الباب قال روايات القصة مضطربة متنافرة ، ففي بعضها أن التحدي جاء من أهل مكة ، وفي أخرى أنه تحد من اليهود للنبي ، وأما الجبلان اللذان ظهر عليهما شقا القمر فحدث ولا حرج . قلت سبحان الله من اين جاء ان التحدي جاء من طرف اليهود و مكة كان بها كفار قريش ربما هي العجالة سنفترض أن هناك اختلاف فعلاً فى تفاصيل هذه المعجزة ، و أن الروايات فيها اختلاف هل ذهبت فرقتي القمر على هذا الجبل أم على هذا الجبل ، فإن الحديث يكون فيه علة ، فالرواة اختلفوا أين ذهب شقي القمر ، لكن هذه العلة لا تقدح فى صحة الحديث ، فحتى تكون العلة سبباً لرد الحديث وعدم قبوله لابد أن تكون قادحة بمعنى أن تكون فى صلب الحديث ، أما لو كانت العلة أو الإختلاف فى شئ ثانوى، و ليس فى صلب الحديث بل فى تفاصيل أخرى ،فهنا يكون الحديث صحيحاً لأن العلة لا تقدح فى صلب الحديث ، و لكن التفاصيل التى اختلف فيها الرواة يكون فيها اختلاف و نقوم بالترجيح بينها أو نتوقف فيها ، لكن يظل موضوع الحديث الرئيسى صحيحاً و هو انشقاق القمر فى عهد النبي صلى الله عليه و سلم قال عمر بن محمد البيقوني فى البيقونية : وَمَاْ بِعِلَّة غُمُوضٍ أَوْ خَفَا .... مُعَلل عِنْدَهم قَدْ عُرفاْ (24) قال ابن عثيمين رحمه الله فى شرحه على المنظومة: [ إذاً فيشترط للحديث الصحيح شروط أخذنا منها ثلاثة وهي: 1 ـ اتصال السند. 2 ـ أن يكون سالماً من الشذوذ. 3 ـ أن يكون سالماً من العلة القادحة. ....... لذلك قلنا لابد من إضافة قيد وهو: أن تكون العلة قادحة، والعلة القادحة هي التي تكون في صميم موضوع الحديث، أما التي تكون خارجاً عن موضوعه فهذه لا تكون علة قادحة. ولنضرب على ذلك مثلاً بحديث فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ في قصة القلادة الذهبية التي بيعت باثني عشر ديناراً، والدينار نقد ذهبي، ففُصلت فوجد فيها أكثر من اثني عشر ديناراً ، واختلف الرواة في مقدار الثمن ، فمنهم من قال: اثني عشر ديناراً ،ومنهم من قال: تسعة دنانير، ومنهم من قال: عشرة دنانير، ومنهم من قال غير ذلك، وهذه العلة ـ لا شك ـ أنها علة تهزُّ الحديث، لكنها علة غير قادحة في الحديث، وذلك لأن اختلافهم في الثمن لا يؤثر في صميم موضوع الحديث وهو: أن بيع الذهب بالذهب، إذا كان معه غيره، لا يجوز ولا يصح](25) ثانياً: ليس هناك تناقض بين من يقول أن القمر انشق و هم فى مكة ، و بين من يقول أن القمر انشق و هم فى منى ، فقولهم ( انشق القمر و نحن فى مكة ) أى قبل الهجرة إلى المدينة ، و قد جاء ذلك فى بعض الروايات : ( قبل أن نصير إلى المدينة ) و من كان فى منى يقال له فى مكة لأن منى قريبة من مكة جاء فى تاج العروس : [ و منى-كإلى-: قرية فى مكة ](26) فى المعجم الوجيز : [ مِنَى : بلدَةٌ قرب مكَّة ينزلها الحجاجُ أَيامَ التشريق .](27) فإذاً لا تعارض بين من يقول ( فى مكة ) و بين من يقول ( فى منى ) ثالثاً: سنعرض لكم الروايات التى جاءت فى انشقاق القمر من طريق ابن مسعود رضى الله عنها و نأتى بمعناها ثم ننظر هل هذه الروايات متناقضة فى المعنى أم متفقة وصف انشقاق القمر فى الروايات عن ابن مسعود رضى الله عنهما: فى رواية البخارى عن ابن مسعود : " و ذهبت فرقة نحو الجبل " فى صحيح مسلم : " فستر الجبل فلقة ، و كانت فلقة نحو الجبل " هذه الروايات كلها مع روايات الآخرين ليس بينها تعارض ، فالأوصاف الواردة فى الروايات: 1- حتى رأوا حراء بينهما. 2- فذهبت فرقة نحو الجبل . 3- حتى رأيت الجبل بين فرجتى القمر. و هذه الأوصاف كلها مع اختلاف لفظها تدل على وصف واحد فقط هو: قال ابن كثير فى البداية و النهاية : " و القمر فى حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق بائنتين ، و سارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء ، و الأخرى من الناحية الأخرى، و صار الجبل بينهما "(28) و هذا الذى قاله ابن كثير هو معنى كل الروايات التى جاءت فى وصف انشقاق القمر و كذلك ظنَّ أن معنى :"دون الجبل " أى تحت الجبل !!! كما فى آخر صورة له و هذا غلط ، فإن معنى " دون الجبل " أى قرب الجبل ، فكلمة ( دون ) تعنى فى اللغة العربية القرب كذلك ، و منه قول المثقَّب العبدي من شعراء الجاهلية : فلا تعدى مواعد كاذبات .... تمرُّ بها رياح الصيف دونى قال الشوكانى فى فتح القدير: [ ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) قال المفسرون : إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً و أن ينحى عنهم جبال مكة فأتاه جبريل فقال :" إن شئت كان ما سأل قومك و لكنهم إن لم يؤمنوا بها لم يمهلوا ، و إن شئت استأنيت بهم "فأنزل الله هذه الآية ، والمعنى : وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين ، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله سبحانه في عباده ، فالمنع مستعار للترك ، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء ، أي : ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين ، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حل بهم ما حل بهم](1) و الله عز و جل قادر على أن ينفذ لهم ما طلبوا لكنه لم يحققها لهم لأنه عز و جل يعلم أنهم سيكذبون بها و لو نفذ الله عز و جل لهم هذه المعجزات و كذبوا بها سيهلكهم الله عز و جل كما أهلك من قبلهم لتكذيبهم بالآيات كقوم صالح ، فخيَّر الله عز و جل رسوله صلى الله عليه و سلم بين أمرين : إما أن ينفذ لهم ما طلبوا من المعجزات لكنه لن يمهلهم بعد ذلك و إذا كذبوا بها سيهلكهم ، و إما أن يملهم و لا يحقق لهم ما طلبوا فهم سيكذبون بهذه الآيات فى النهاية فلا يهلكهم الله عز و جل فإنه قد يظهر منهم من يؤمن بعد ذلك ، فاختار النبي صلى الله عليه و سلم الخيار الثانى كما ورد فى كلام الشوكانى رحمه الله. قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: [ و كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم الآيات فمنها ما يأتيهم الله به لحكمة أرادها الله سبحانه و تعالى ، فمن ذلك أنهم سألوه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر و أنزل قوله تعالى ( اقتربت الساعة و انشق القمر) .... و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم طلب من الآيات – التى يقترحون-رغبة منه فى إيمانهم فيجاب بأنها : لا تستلزم الهدى بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها ](2) قال ابن كثير تفسيره : [قال سنيد عن حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : قال المشركون يا محمد إنك تزعم أنه كان قبلك أنبياء فمنهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيي الموتى فإن سرك أن نؤمن بك ونصدقك فادع ربك أن يكون لنا الصفا ذهبا فأوحى الله إليه إني قد سمعت الذي قالوا فإن شئت أن نفعل الذي قالوا فإن لم يؤمنوا نزل العذاب فإنه ليس بعد نزول الآية مناظرة وإن شئت أن نستأني بقومك استأنيت بهم قال يا رب استأن بهم وكذا قال قتادة وابن جريج وغيرهما.....ولهذا قال تعالى ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) أي نبعث الآيات ونأتي بها على ما سأل قومك منك فإنه سهل علينا يسير لدينا إلا أنه قد كذب بها الأولون بعدما سألوها وجرت سنتنا فيهم وفي أمثالهم أنهم لا يؤخرون إذا كذبوا بها بعد نزولها كما قال الله تعالى في المائدة: ( قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين )](3) و نفس الأمر بالنسبة لآيات سورة الرعد كما قال ابن كثير فى تفسيره للآية السابعة من هذه السورة. قال ابن كثير: [يقول تعالى إخبارا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، كما تعنتوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل عنهم الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، قال الله تعالى) : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا (] هذا و بالله التوفيق