من إعداد :ذ. محمد جناي
القاعدة الرابعة: “إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ “
هذه قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس ، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار.
وهذه القاعدة القرآنية الكريمة جاءت ضمن سياق الآداب العظيمة التي أدب الله بها عباده في سورة الحجرات ، قال تعالى :”يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماَۢ بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَيٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَۖ (الحجرات:6).
ولهذه الآية الكريمة سبب نزول توارد المفسرون على ذكره، وخلاصته أن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه -سيد بني المصطلق- لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له -في وقت اتفقا عليه- جابيا يأخذ منه زكاة بني المصطلق، فخرج رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه خاف فرجع في منتصف الطريق ، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الوقت ذاته لما رجع الرسول إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله ! إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق ، فقال لهم : إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك! قال : ولم؟ قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ،فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمدا بالحق، ما رأيته بتة ولا أتاني!! فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” منعت الزكاة وأردت قتل رسولي “؟! قال: لا والذي بعثك بالحق ، ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال فنزلت الحجرات :” يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْماَۢ بِجَهَٰلَةٖ فَتُصْبِحُواْ عَلَيٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَۖ”.
انتهى الحديث مختصرا ، وقد رواه الإمام أحمد بسند لا بأس به ، ويعضده الإجماع الذي حكاه ابن عبد البر على أنها نزلت في هذه القصة.
وإذا تبين هذا المعنى ، فإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقا واضحا من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كالهواتف الذكية والانترنت وغيرها من الوسائل .
وإذا انتقلت إلى ميدان الصحافة أو غيرها من المنابر الإعلامية ، وجدت عجبا من خرق سياج هذا الأدب، فكم من تحقيقات صحفية بنيت على خبر إما أصله كذب، أو ضخم وفخم حتى صور للجمهور على أن الأمر بتلك الضخامة والهول، وليس الأمر كما قيل!
والواجب على كل مؤمن معظم لكلام ربه أن يتقي ربه، وأن يتمثل هذا الأدب القرآني الذي أرشدت إليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة: “فَتَبَيَّنُوٓاْ “.
جعلنا الله وإياكم من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18281