قواعد في الممارسة السياسبة (2/3)

قواعد أساسية حول

ذ محمد جناي
2021-02-13T09:05:37+01:00
آراء ومواقف
ذ محمد جناي13 فبراير 2021آخر تحديث : السبت 13 فبراير 2021 - 9:05 صباحًا
قواعد في الممارسة السياسبة (2/3)

ذ. محمد جناي
الظاهرة السياسية معقدة بمكوناتها المتعددة والمتنوعة، وهو الأمر الذي يدفع الباحث إلى الاستعانة بعلوم أخرى ومناهج غير المنهج الذي يعتمده ضمن إطاره المعرفي الخاص، فالظاهرة السياسية إذن مجتمعية بطبعها إذ لا تصور لها خارج وجود مجتمع تنتظم حياته ضمن توافقات صريحة أو ضمنية، ولهذا فالفاعل السياسي مطلوب منه أن يوزن بمعيار ما يملكه من قوة ، ويدخل في ميزان القوة دهاء اللاعب السياسي، وحنكته، وقدرته على زيادة أوراق قوته، وتحويلها إلى نتائج لصالحه، لأن البديل هو طغيان الطرف الآخر، لدرجة انتهاك الخصم، والتغلغل في شؤونه بتغول قبيح مهين.

وإليكم قواعد أساسية حول طبيعة الظاهرة السياسية وهي مايلي :

القاعدة الأولى : ” ينتج التدافع الإنساني عادة نتيجة ثلاثة أمور: الاختلاف/التنوع/الندرة “.

تعد الظاهرة السياسية إحدى مستويات الظاهرة الاجتماعية ، وهي كبقية الظواهر سابقة لنشوء العلم ، فمنذ أن وجد الإنسان على الأرض تلازمه ثلاث ظواهر :الاختلاف ، التنوع، الندرة،فظاهرة الاختلاف تعني أن الناس يختلفون في نظرتهم للحياة ، ومن الذي يستحق، وماذا يستحق، وكيفية توزيع الموارد المختلفة فيما بينهم، وهل يؤسس المجتمع على أساس التعاون أم الصراع، كما أنهم لا يتفقون حول كيفية حل القضايا المختلفة، وكيفية اتخاذ القرارات ، ومن له الحق في التعبير عن رأيه، وماهو القدر الذي يمتلكه كل فرد للتأثير في القرارات وهكذا .. وأحد مظاهر هذا الاختلاف هو الاختلاف الأيديولوجي الذي يعد من أبرز أسباب نشوء الصراع .

فالكثير من الأيديولوجيات تسعى للهيمنة على العالم، وهي أحد عوامل اشتعال النزاعات السياسية والاقتصادية والمصلحية، وكل أيديولوجيا تتخذ من المنظور القيمي سندا لها، فعندما تقرر دولة ما شن حربها فإنها عادة تبحث عن إطار قيمي تنطلق منه، فتارة تدار الحرب باسم الحرية، وتارة باسم العدالة الاجتماعية، وتارة باسم الهداية الربانية، وعادة مايرى كل صاحب أيديولوجيا أن مشروعه هو الذي يجب أن تنضوي تحت مظلته البشرية، فيكافح من منطلق عقائدي، وهذا الاختلاف في طريقة النظر ، وإدارة الحياة هو أحد أسباب وجود الظاهرة السياسية.

وأما ظاهرة التنوع فالمقصود بها أن الناس تتنوع احتياجاتهم ، وتنوع الاحتياجات من الأمور الأساسية في الحياة، فقد نجد دولة تمتلك الكثافة السكانية الكبيرة لكنها تفتقد الموارد، ودولة ذات كثافة سكانية قليلة وتمتلك موارد صخمة، ودولة تمتلك الكثافة السكانية والموارد ولا تمتلك الموانئ، وأخرى تمتلك المعرفة وتفتقد الطاقة، وآخرون يفتقدون القمح والغذاء، وعندما تفكر الدول في تأمين وتوفير احتياجاتها تلجأ إلى استخدام أدوات القوة الثلاثة التي سيتم ذكرها لاحقا ، ومن هنا تنشأ الظاهرة السياسية.

ونصل إلى ظاهرة الندرة التي يقصد بها الشعور الإنساني العام -الفردي أو الجمعي- بقلة وندرة الموارد الطبيعية والبشرية والمادية وغيرها وعدم مكافأتها لا حتياجاته سواء على مستوى الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات ، وهذه الفكرة تنسحب على الفرد والحزب والدولة، وتنقسم موارد العالم إلى ثلاثة أقسام : موارد ناضبة ، وموارد متجددة، وموارد بديلة، فالعالم يخوض صراعا كبيرا حول الموارد الناضبة كالطاقة ،وتحاول الدول توفير احتياطيات استراتيجية ضخمة ،وتقتصد في استخدام مواردها مستنزفة موارد دول أخرى.

إن وجود الاختلاف والتنوع والنادرة يؤكد أن الظاهرة السياسية في أبسط معانيها -ألا وهي محاولة تسوية الخلافات الإنسانية – هي صفة لأزمة وحتمية للحالة البشرية، وبذلك تتضح لنا أن نشأة الظاهرة السياسية تعود إلى عوامل التنوع والاختلاف والندرة.

القاعدة الثانية : ” ينقسم التدافع إلى قسمين أساسيين : تدافع تنافسي وتدافع صفري “

إذن هناك نوعان أساسيان من التدافع البشري :

الصراع التنافسي (الصراع السياسي) :بمعنى أن تكون النتيجة النهائية للتدافع بين طرفين متنافسين هي فوز كليهما بشيء من الخيرات أو مايطلق عليه Win-Win Situation؛ أي حالة من فوز الطرفين وحصولهما على مكاسب معينة يرضى بها كلا الطرفين ، أي رابح -رابح، وهذا النوع من التدافع يمكن أن يطلق عليه التنافس.

الصراع الوجودي (صراع الإفناء الصفري): ويقصد بها الصراعات الصفرية Zèro _Sum Game، وفي هذه الصراعات لايتقبل كلا الطرفين وجود الطرف الآخر إطلاقا ، ويسعى إلى إنهائه تماما، والخروج بفوز نهائي ساحق كامل، بينما يخرج الطرف الثاني من الصراع مغبونا ومتألما ، إما منسحبا مكسور الإرادة، وإما عازما على الإعداد لجولة أخرى من الصراع.

وليس بالضرورة في كل أشكال الصراع أن يتم إزالة الطرف الآخر بنيويا ، فقد تبقى مؤسسته ، أو حزبه، أو دولته، ولكنها تتخلى عن أهدافها التي كانت سببا في حدوث الصراع ، وأحيانا يطلق على الصراع الصفري في أقصى أشكاله ” الصراع العدمي” وذلك حين يقرر أحد الطرفين أنه إن خسر فيجب أن يخسر الجميع معه، وهي مصداق المثل الشعبي المعروف ” علي وعلى أعدائي”، فالتسلح النووي الاستراتيجي معد من أجل الاستخدام مرة واحدة فقط عند التهديد بالفناء ، فحينها يفكر الطرف المهدٌَد بمنطق مفاده إن كان الفناء حتميا ، فليفن الجميع.

وهنا يتبادر سؤال ، من الذي يحدد طبيعة التدافع (الصراع) السياسي؟ فتحديد طبيعة الصراع لا تخضع للرغبات والأماني والأحلام ؛ وإنما للمعطيات السياسية على أرض الواقع وموازين القوى بين الأطراف المختلفة ، فهو قرار متبادل بين كافة الأطراف ، ولهذا فطبيعة التدافع تتحدد بناء على عاملين :الأول كيفية رؤية كافة أطراف الصراع له ، أي أن منظومة المعتقدات والتصورات والأهداف والمصالح والسياسات الخاصة بكل طرف من أطراف الصراع حول هذه القضية هي التي تؤثر بوضوح على تحديد طبيعة الصراع (تنافسيا أو صفريا) ، والثاني فتتحدد طبيعة الصراع بناء على ميزان القوى بين أطراف الصراع ، وفي حالة رجحان كفة ميزان القوى لصالح أحد الأطراف ، وافتقاد بقية الأطراف لاستراتيجية بديلة ؛تصبح رؤيته للصراع هي التي تحدد طبيعته.

القاعدة الثالثة: ” جوهر السياسة هو القوة وتوزيعها بين الأطراف، والسلطة والوصول إليها والاحتفاظ بها ، والنفوذ لحماية القوة والسلطة معا “

ترتبط السياسة ارتباطا وثيقا بظاهرة التدافع، والذي ينشأ عن الظواهر الثلاث الملازمة للوجود الإنساني (الاختلاف والتنوع والندرة)، وللسياسة تعريفات عديدة ، نذكر من أهمها:

* القو ةوتوزيعها بين الأطراف ؛
* فن إدارة الدولة؛
* فن الممكن؛
* فن التنازلات المتبادلة.

وبالتالي يمكننا القول بأنه إذا كانت السياسة هي التجلي الواضح لوجود الصراع ؛ فإن القوة هي أداة السياسة الحقيقية لإنهاء هذا الصراع ، أو بمعنى آخر إذا كان الصراع هو موجد السياسة فإن القوة هي قلب السياسة ، بل ويمكننا إعادة تعريف السياسة بأنها ” استخدام اختلال ميزان القوة بين الأطراف لإنهاء الصراع”،لذلك فإن تعريفنا للسياسة هو : ” القوة وتوزيعها بين الأطراف”.

القاعدة الرابعة: ” منطق الممارسة السياسية يكمن في المزج بين القوة الصلبة والناعمة “

ولهذا نسب إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه هذه المقولة : ” لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إن هم شدوها أرخيتها ، وإن أرخوها شددتها”.

والقوة الناعمة تهدف إلى كسب القلوب والعقول ويندرج تحتها الدبلوماسية والإعلام والدعاية السياسية والتعامل المباشر وغير المباشر ، حيث استخدمت وكمثال الدبلوماسية التفاوضية مع إيران عن طريق الاتحاد الأوروبي في الملف النووي، واستخدم الإعلام والدعاية للتأثير على متخذ القرار الإيراني، واستخدمت وسيلة التعامل المباشر عبر الاتصال المباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدم التعامل غير المباشر عبر الأوروبيين والأصدقاء والقوى الإقليمية.

وأما القوة الصلبة فتهدف إلى إخضاع العدو ، وكسر إرادته، ويندرج تحتها المال والمنصب والمنح والمعونات والتسهيلات المختلفة ، وكذلك المنع مثل أنواع الحصار الاقتصادي، ويدخل فيها كذلك استخدام العنف المادي، أي الجيش والشرطة وآليات العنف المتنوعة، لذلك عندما نتكلم عن السياسة فإننا نتحدث عن :

ماذا أمتلك من أدوات؟
ماذا أريد؟
ماذا يمتلك الطرف الآخر ؟
ماذا يريد؟

وبناء على الإجابات يتم العمل السياسي.

وتنتهي الخلاصة حول طبيعة السياسة إلى معنى جوهري واحد : ألا وهو القوة ؛ بمعنى قدرة الأطراف على الحصول على حصص تساوي مقدار قوتهم وقدرتهم على فرض مطالبهم على الأطراف الأخرى ، ويدخل في ميزان القوة دهاء اللاعب السياسي وحنكته بتحويل نقط القوة عنده إلى نتائج ، ونقاط ضعفه خصمه إلى فرص، ومن هنا ندرك أن قوة اللاعب السياسي هي الميزان الذي يعتبر عند الفعل السياسي ولذلك يجب أن يعرف اللاعب السياسي أدوات القوة ومايندرج تحتها ، وبالتالي يستطيع تقوم المواقف المختلفة بدقة ، واتخاذ القرارات ، واستخدام أدواته لتحقيق أهدافه.

فكل من يقوم بعمل -سواء لحل وتسوية الصراع بين الصالح العام وبين مصلحة الجماعات الخاصة أو لتأجيج الصراع، وسواء كان حزبا أو طائفة ، أو طبقة، أو عرقا، أو غير ذلك – فهو يمارس السياسة ، وكل هذه الأطراف تستخدم القوة وتسعى بامتلاكها لتتمكن من تحقيق أهدافها.
يتبع

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.