5 أغسطس 2025 / 11:41

قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج: الوقائع والخلفيات

حسن الشرقاوي

صدر قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج من قِبل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وتم تسليم القرار للمعني بالأمر بتاريخ فاتح غشت 2025، بواسطة مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي بجهة وجدة.
قبل استلامه قرار الإعفاء، كان رئيس المجلس العلمي المحلي قد نشر تدوينة بالفيسبوك مثيرة للجدل حول قضية غزة، بتاريخ 21 يوليوز 2025 عكست موقفًا حادًا وأثارت نقاشًا عامًا واسعًا.
بحسب تصريحه وتصريح رئيس المجلس العلمي الجهوي الذي سلمه القرار، فإن قرار الإعفاء جاء بناءً على تقرير تفتيش من الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى. ركز على الغياب، وضعف المردودية، والفوضى التي يشهدها المجلس العلمي لفجيج. ومع ذلك، اعتبر غالبية المعلقين أن السبب الحقيقي للإعفاء هو تدوينة الرئيس المتعلقة بغزة.
وفي لحظة انفعال وغضب وتسرع، عبّر القيادي الإسلامي أحمد الريسوني عن رأيه بطريقة غير محسوبة، واتهم الوزارة بـ”التخلف والفرعونية”، وأنها تعمل على “تشويه الإسلام”.
هذا الموقف دفع بالتيارات الإسلامية، بل وحتى بعض مسانديها من اليسار، إلى الاصطفاف بقوة ضد الوزير وضد قرار الإعفاء.

الدوافع السياسية والانتخابية
إن تغيير رؤساء المجالس العلمية المحلية يعد أمرًا اعتياديًا يحدث بشكل دوري. فقد شهدت العشرية الأخيرة تغيير أكثر من 60% من رؤساء هذه المجالس لأسباب متنوعة دون إثارة جدل كبير. بل وخلال السنة الجارية فقط، أُعفي أربعة رؤساء مجالس علمية محلية حتى الآن لأسباب مختلفة. لكن ما الذي ميز هذه الحالة المذكورة تحديدًا؟
برأي عدد من المحللين فإن هذا الأمر يأتي في سياق حمى الانتخابات، حيث تُعد “تجارة الدين” تجارة رائجة. والتيارات الإسلامية تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية، وتعبئ طيلة السنة بأنشطة ذات صبغة دينية وتربوية
ولكن بالنهاية هناك عنوان سياسي اسمه حزب العدالة والتنمية يستفيد من نتائج تلك الأنشطة ومخرجاتها.
وقد وجدت في قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي وربطه بموقفه من أحداث غزة فرصة للتعبئة السياسية والتأثير على الرأي العام. هذه التيارات تملك شبكة واسعة من صفحات التواصل الاجتماعي المرتبطة بكتائب حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، والتي تنتظر إشارة من قياداتها لشن حملات تضليل وتحريض.
وعندما نشر الريسوني تدوينته التي انتقد فيها الوزارة، كان ذلك بمثابة الشرارة التي أطلقت حملة قوية من عدة منابر مرتبطة بهذه التيارات وأطراف من اليسار الراديكالي، حيث اتجهت جميعها في اتجاه واحد.
غير أن الريسوني ومن معه أغفلوا حقيقة أن رئيس المجلس العلمي السابق نفسه أقر بأن غيابه هو السبب الأساسي لإعفائه، وأن التدوينة التي كتبها حول قضية فلسطين جاءت بعد علمه بقرار إعفائه المحتمل.
إذاً، يبدو الأمر برمته وكأنه طبخة سياسية داخل “المطبخ الإسلامي”، بهدف دعم التيار السياسي الإسلامي قبيل الانتخابات القادمة، طبعا مع وجود لاعبين من داخل وخارج المغرب يستغلون نفس الأمر لأهداف مختلفة

فروقات إدارية وقانونية دقيقة

لقد أغفل النقاش نقطة مهمة وهي أن منصب رئيس المجلس العلمي المحلي ليس وظيفة رسمية، وإنما هو مهمة يتقاضى المعين فيها تعويضًا وليس أجرًا. لذلك، جاء قرار الإعفاء بصيغة “يُعفى” وليس “يُعزل”.
* الإعفاء من المهمة هو إجراء إداري لإنهاء تكليف شخص بمهمة معينة (مثل رئاسة مجلس محلي) دون أن يفقد صفته كموظف إذا كان يشغل وظيفة أخرى. ولا يُعتبر عقوبة، بل يدخل ضمن صلاحيات الإدارة، ولا يستلزم أسبابًا واضحة أو تبريرات.
* العزل الإداري هو قرار تأديبي وعقابي يُنهي علاقة الموظف كليًا بالإدارة بسبب خطأ جسيم أو مخالفة قانونية.

كما أثار البعض انتقادًا حول صدور القرار عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وليس عن المجلس العلمي الأعلى، بدعوى أن الأخير مؤسسة مستقلة تتبع مباشرة لأمير المؤمنين. وهذا الانتقاد ينبع من جهل بالقانون، إذ إن وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية يشرف على الشأن الديني ضمن حكومة صاحب الجلالة وله صلاحيات مالية وإدارية على المجلس العلمي الأعلى باعتباره آمرًا بالصرف للمجلس وعضوًا فيه. ويرفع تقريرا سنويا للملك أمير المؤمنين عن نشاط المجالس العلمية مع مايرتبط ذلك من متابعة يومية ومساءلة وتقييم وقد وسع الظهير المتعلق بتعيين رؤساء المجالس العلمية المحلية وأعضائها الجديد من صلاحياته، حيث مكنه من سلطة تعيين جميع رؤساء المجالس العلمية المحلية وأعضائها الذين يزيد عددهم عن ألف عضو وعضوة في مختلف أنحاء المملكة. ومن المعلوم أن من يملك سلطة التعيين يملك أيضًا سلطة الإعفاء.

موقف علماء المغرب من القضية الفلسطينية

للأسف، لا يتابع الكثيرون موقف علماء المغرب من القضية الفلسطينية. فقد عبر المجلس العلمي الأعلى في العديد من المرات، خاصة بعد اختتام دوراته الرسمية، عن موقفه الداعم للقضية الفلسطينية والمندد بالهمجية الإسرائيلية، ومثمنًا المبادرات الملكية تجاه الشعب الفلسطيني. بل وثمن في إحدى دوراته حل الدولتين باعتباره الحل الأمثل للقضية الفلسطينية. وهذا يأتي في سياق التشبت بالموقف الوطني الرسمي الجامع الذي يمثله رمز الأمة ووحدتها ملك البلاد. ورئيس المجلس العلمي الأعلى.

لكن التيارات الإسلامية ترغب في أن يتحول علماء المغرب إلى فاعلين سياسيين يُعبئون الناس ويحرضونهم في الميدان، بهدف إحراج الدولة وأمنها الوطني. وهذا يتنافى بشكل صريح مع الضوابط الشرعية والقانونية لمهمة العلماء، ومع المبادئ الشرعية التي تحث على العمل من أجل ما يجمع الأمة حول ثوابتها الدينية والوطنية، ويحقق تماسكها الاجتماعي واستقرار مواطنيها وأمنهم الروحي، وليس إحداث الفوضى أو زعزعة الاستقرار.
في الختام، يبدو أن قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج، رغم استناده إلى أسباب إدارية وقانونية واضحة، قد جرى توظيفه سياسيًا من قبل تيارات معينة لأغراض انتخابية. هذا التوظيف أدى إلى خلط الأوراق بين الواقع الإداري والموقف السياسي، مما أثار لغطًا لا يعكس حقيقة الأسباب المباشرة للقرار.