21 أغسطس 2025 / 19:02

قراءة معرفية في خطبة “تسديد التبليغ” (6)

محمد زاوي

الذاكرة الوطنية ذاكرة دينية

في الخطبة المنبرية الخاصة بموضوع “ذكرى ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب المجيدتين”، بتاريخ 15 غشت 2025 م، دعا صاحب الخطبة إلى “الحرص على محبة الوطن، والعمل على رعاية مصالحه العليا، وتنشئة الناشئة على ذلك تذكيرا وعملا وقدوة، والبرهنة عليه من خلال ترسيخ القيم الدينية والوطنية وأبرزها؛ التضامن والتعاون على البر والتقوى في جميع الأمور”؛ منبها إلى أهمية حدثي “ذكرى ثورة الملك والشعب” (20 غشت) و”ذكرى عيد الشباب المجيد” (21 غشت) في التعليق بالوطن وقضاياه.

وقد جعل صاحب الخطبة من النصوص القرآنية أدلة على ارتباط المغاربة بالعرش المجيد، وتضحيتهم في سبيل هذا الارتباط واستقلاله، مستحضرا الحماية الربانية لهذا النموذج في الوحدة والمقاومة (“يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتَ اَقْدَامَكُمْۖ”/ سورة محمد، الآية 8)؛ كما دعا الشباب المغربي إلى اعتبار ذكري “عيد الشباب” مناسبة لتجديد الاقتداء بأمير المؤمنين في خدمة الوطن والدين..

هذا طي لمسافات الاقتداء، على النقيض من خطاب يصنع القدوة في مخياله لا يعرفها في تاريخٍ..

إنه إدماج واعٍ ووطني للمحل الماضي للاقتداء في محله المعاصر، إدماج السلوك النبوي في “ثورة الملك والشعب” و”خدمة أمير المؤمنين لمصلحة الوطن والدين”..

إنه كذلك جعلٌ الذاكرة الوطنية جزءا من الذاكرة الإسلامية العامة، كما هو بحث لهذه الذاكرة عن مسلكٍ وطني، هو المسلم السديد والصالح لاستمرار الوازع الديني بما يخدم جدلية الدنيا والدين؛ أي بما يخدم الدنيا بالدين، ولما يخدم الدين بالدنيا..

تُخدَم الدنيا بالدين عندما يُستدعَى الدين، في إطار تأويل وطني، لخدمة قضايا الوطن والمصالح الاستراتيجية لدولته والحقوق التاريخية لمجتمعه.. ويُخدَم الدين بالدنيا عندما تستقر الممارسات الشعائرية والنظم الفقهية والكلامية والسلوكية، وتُحفَظ بمؤسسات تعتبر الضرورات التاريخية لهذا الحفظ.. الخدمتان معا إنسانيتان، الخدمة الأولى تاريخية، أما الثانية فوجدانية..

وهذا ما ينبغي أن يعرفه الجميع، لأن خدمة الوطن خدمة دينية، كما هي خدمة الدين خدمة وطنية.. فليس من العبث إذن، استدعاء الخطاب الديني لحفظ ذاكرة الاستقلال وتجديد الارتباط بالدولة؛ كما أنه ليس من العبث استدعاء هذا التاريخ في خطاب ديني.

في معاركنا الحالية والمستقبلية، نحن في حاجة إلى هذه العلاقة بين الديني والتاريخي، بين دين يحفظ القابلية لتوطينه وتاريخ يستدعي إيديولوجية دينية محدّدة.. فقد كانت التوافق الوطني الأول سلفيا (من “السلفية الوطنية”)، كما هو التوافق الوطني الحالي لا يخرج عن إطار “إمارة المؤمنين”، بما هي “سلفية وطنية” متجددة في سياق جديد..

يجب التأمل مليا في هذا الامتداد المتصل، أما غير متأملين فيه فقد ضلوا الطريق، باحثين عن سلفيات فئوية هامشية تخالف سلفية الجماعة/ الدولة/ الأمة.. يجتهد هؤلاء على هامش التاريخ العام للدولة المغربية، فيتلاشى منطقهم مع مرور الزمن، ويتراجع وجودهم كلما أعوزهم الإمداد الإيديولوجي والسياسي الدخيل..

اختيارات توَظَّف تكتيكيا على أبعد تقدير، سرعان ما تتبنى “سلفية الدولة” كلما داهمها الشرط العالمي والإقليمي بنقيض دعوتها!