محمد زاوي
المعاشرة بالمعروف: تخفيف “التفاوت الاجتماعي”
جاءت خطبة اليوم، الجمعة 4 يوليوز 2025، بعنوان “المعروف في المعاشرة بين الزوجين”. وقد حاول صاحبها ربط أحوالنا بنص القرآن، وإكساب قوله تعالى “وعاشروهن بالمعروف” (المعاشرة/ سورة النساء، الآية 19)، أو قوله تعالى “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف” (الحقوق والواجبات/ سورة البقرة، الآية 226)، أو قوله تعالى “متاعا بالمعروف” (النفقة والصداق/ سورة البقرة، الآية 234)، وغيرها من الآيات؛ قلتُ: إن صاحب الخطبة حاول إكساب هذه الآيات معنى من حياة الناس، ومن حياة الأزواج خصوصا، لعل المعروف يستحيل خافزًا لحفز القدرة على العمل وتحمل المسؤوليات، أو عزاءً في حياة اجتماعية متقلبة ينتشر فيها التفاوت بين الناس.
ويقول صاحب الخطبة: “إن الأمر بالمعروف في الأسرة، أمر بالمعاملة الطيبة والاحترام والبر والفضل والتكامل والمحبة أمر بالتقدير والمعاشرة بالحسنى والمودة.. وهذه القيم في الأسرة أساس التماسك والتساكن بين أفرادها، وهي الغاية من وجودها”، ويضيف في معرض كلامه: “إن بناء الأسرة على قيم الدين، هو الذي يؤصل أخلاق المودة والمعروف فيها، من خلال الاعتراف بالفضل بين الأزواج وحفظ الأسرار الزوجية، وقول الخير وحفظ اللسان”. هل هذا مبلغ الخطيب من الجهد؟ أليس عليه نقد واقع اجتماعي وإنتاجي يضعف قيم المعروف في المجتمع؟
ليس على الخطيب وضع يدٍ مباشرة في المسألة الاجتماعية بمعناها الإنتاجي، وإنما مبلغه من التأثير أن يحث الأفراد على الصدق والصواب في العمل. وكذلك في الأسرة، فليس له قدرة على تغيير قدراتها الإنتاجية و”تحسين حياتها” بالمعنى الإنتاجي (بتعبير إلياس مرقص). والذي عليه وله فيها “تحسين حياتها” النفسية والأخلاقية، خاصة في تلك القابليات النفسية والخلقية التي تحوز إمكان السمو على مشقة الاجتماع بما فيها من تفاوت في المِلكية والتوزيع.
وهذا واقع أكبر من الخطيب الملقي، كما هو أكبر من الفقيه المفتي.. فيه ضرورات تقدر بقدرها، لا يقدرها بـ”حق” إلا أصحاب الفنون والتخصصات في الاقتصاد والسياسة والاجتماع.. ولما كان هذا المجال مستعصيا على صاحبي الخطبة والفتوى، فقد اكتفى الأول بالتأثير في النفس، فيما اكتفى الثاني بـ”التوقيع” بعد مناط يحققه المختصون.
إن الأسرة المثقلة بالهموم الاجتماعية لا يخفف همها قول الحقيقة في مسائل الاقتصاد والاجتماع (في “طبيعة علاقات الإنتاج”)، وإنما تخف آلامها الاجتماعية بـ”الدعم النفسي” وإنتاج قابلية “نفسية اجتماعية/ أسرية” للمشكل الاجتماعي العام. وليس هذا من التخدير السياسي والاجتماعي بإديولوجيا دينية كما يزعم البعض، بل هو تخفيف في ضرورة اجتماعية لا ترتفع بالكلام الناقد، ولا هي ترتفع بالإرادوية والمبادرة الفردية أو الفئوية “الحرة”..
فأي السبيلين أقرب للصواب: أتحفيز ودعم يرفع البلاء النفسي والخلقية في واقع اجتماعي ضروري ومحكوم بـ”التقسيم الدولي للعمل”؟ أم نقد اجتماعي لا هو يرفع واقعا ولا هو يطمئن نفسا؟! وإذا كان السبيل الأول يؤتي أكله ويحقق نجاعته في المغرب، فإن الثاني لم يقدم للمغاربة حلا ومخرجا لحدود الساعة.. وإنما هي ضرورة باقية، وحاجة تلازمها إلى من يطمئن الناس في عالم أصبح أكثر هولا وتعقيدا.
الأسرة في هذا العالم يجب أن تُحفظ، ويجب ألا يستحيل حفظها عائقا أمام تطويرها وتدبيرٍ سديد لقواعدها في شرط عولمي ضاغط. الأسرة في هذا العالم، يجب أن تُحفظ وتبقى ممتدة وإن في شروطها الجديدة، حيث انتشار الأسر الصغيرة النووية وانحسار الأسر الممتدة.. إنه تحول في العيش لا ينبغي أن ينتج تحولا كبيرا في القيم. فإذا حصل أصبحت الحاجة ماسة إلى تعديل قيم الجماعة/ الأمة نفسها، وهو ما قد يربك حسابا عاما لا قدرة للجماعة وأفرادها على تدبيره في واقع اليوم.
من هذا الجانب، يكون الحرص على “الامتداد الأسري” ضروريا، بما هو حفظ للقيم، وضِمنها نموذج خاص في السياسة والاجتماع (يمكن الرجوع إلى كتاب “من ديوان السياسة” لعبد الله العروي). ربما نفهم الآن قول صاحب الخطبة: “ومن المعاشرة بالمعروف كذلك، أن يحب كل طرف أقارب الطرف الآخر، فهو أسمى أوجه المعاشرة بالمعروف”.