عثمان القشتول
إن موافقة الإدارة الأمريكية على دمج الجهاديين الأجانب في جيش حكومة أبو محمد الجولاني تمثل تحولا استراتيجيا كبيرا. قبل بضعة أشهر، في الرياض، كان دونالد ترامب يحثه على التخلص من هؤلاء المقاتلين. لكن الانقسامات الداخلية حول السياسة السورية انتهت إلى منطق براغماتي: جعل سوريا بوابة جيوسياسية في إعادة نشر إقليمي أوسع. وهذا يتضمن تخفيفا تدريجيا للعقوبات المفروضة على الدولة السورية منذ عهد الأسد.
هذا التحول يعبر عن التخلي الجزئي عن المبادئ المعلنة التي تتعلق بمكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية، لصالح حساب استراتيجي يسعى إلى تحويل سوريا من المعسكر الروسي الإيراني إلى تحالف غربي. إن الطرد الجزئي لإيران يعتبر بالفعل إشارة ملموسة. كما أن الانضمام المحتمل لسوريا إلى اتفاقيات إبراهيم سيعيد تعريف التوازنات الإقليمية بعمق، على الرغم من أن الموقف الحقيقي لحكومة أحمد الشرع في هذا الشأن لا يزال غير مؤكد. وسيعني ذلك إعادة وضع إيديولوجية ودبلوماسية كبيرة لا يضمنها شيء حتى الآن.
يعتمد الانفتاح الأمريكي أيضا على الرؤية الاقتصادية للسلطة السورية الجديدة، مع إطلاق حملة رقمية حول الليبرالية مستوحاة من نموذج “النمور الآسيوية”، مما يقلل من دور الدولة إلى الحد الأدنى. هذا النموذج، وهو الأمر الذي يصعب تطبيقه في مجتمع دمرته الحرب، ينبئ بتكوين طبقة جديدة هجينة، تجمع بين المقربين من النظام السابق وقادة الحرب المنتمين إلى المعارضة المسلحة، بما في ذلك الجماعات السلفية. تذكر هذه الوضعية السيناريو الروسي في التسعينيات، حيث تم إعادة تدوير شبكات النظام السوفياتي في اقتصاد ريعي أوليغاركي.
إن دمج الجهاديين يساعد على تجنب مواجهة مباشرة مع مجموعات قوية وغير مستقرة، بينما يعترف بدورهم في سقوط الأسد. كما يعكس إرادة لتوطيد سلطة ما زالت هشة. ردود الفعل السورية على هذه الخطوة منقسمة: يرى البعض فيها ضرورة تكتيكية، بينما يعتبرها آخرون خيانة للمبادئ الأساسية لنظام جديد.
تظل الفجوة بين الجهاديين الأجانب والسوريين ثانوية: جميعهم يتشاركون في أيديولوجيا عنيفة، ساهمت في تغذية العنف الطائفي في الأشهر الأخيرة.
إن بناء جيش من هذه القطع دون وجود انقطاع أيديولوجي واضح أو إطار شامل قد يشكل خطرا على التماسك المستقبلي للبلاد. وبما أن طرد هؤلاء الأجانب مستحيل، فإن السبيل الوحيد الممكن هو من خلال نزع سلاحهم تدريجيا، وتوجيههم بشكل مدني، وخضوعهم، مثل الآخرين، لعدالة غير متحيزة.