الأستاذ ماء العينين محمد الغيث
خبير في قضية الصحراء وقضايا التنمية
نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات
تقديم
لا بد من التنويه بحُسن اختيار اللجنة العلمية -الدكتور عبد الفتاح البلعمشي، والدكتور محمد الزهراوي- للعنوان: “ما هو مصير البوليساريو بعد نهاية النزاع حول الصحراء الغربية؟”، وهو عنوان موفق من حيث التوقيت والدلالة، إذ ينسجم تمامًا مع طبيعة التحولات المتسارعة التي يعرفها هذا الملف إقليميًا ودوليًا، كما أنه يعكس شجاعة فكرية في الانتقال من التحليل الوصفي للنزاع إلى التفكير في مآلاته ومساراته ما بعد التسوية.
أولًا: في قيمة التقرير وخصائصه العامة
يندرج هذا التقرير ضمن الأدبيات القليلة التي تعالج “زمن ما بعد النزاع”، وهو زمن عادة ما يتم تجاهله لصالح تحليل الوقائع السياسية الظرفية. وقد تميز التقرير بطرحه لعدد من الأسئلة المفصلية، وبتقديمه لبنية تحليلية رباعية (القيادات، السلاح، التنظيم، وساكنة المخيمات)، ما يمنحه طابعًا استشرافيًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية.
ثانيا: نقاط تستحق الإشادة
اعتماد مقاربة سيناريوهات دقيقة، تستند إلى أسس واقعية دون التفريط في الحذر المنهجي، عبر الإقرار بأهمية الحكم الذاتي كحل واقعي مدعوم دوليًا، والاعتراف بكون تنفيذه سيخلق ديناميات اجتماعية جديدة، إضافة إلى إبراز احتمالية التنافس بين نخب ما قبل وما بعد النزاع، مع التنبيه إلى دور المؤسسة الملكية كضامن أساسي للتوازن، كما أبرز مسألة في غاية الأهمية عند التفريق الذكي بين الجانب التنظيمي للبوليساريو ومكونات الساكنة، وإن كانت تحتاج إلى مزيد من التدقيق كما سيأتي.
ثالثا: ملاحظات بخصوص مواكبة المرحلة المقبلة
الانتقال من تحليل النخب إلى إعادة تشكيلها، بمعنى أن المرحلة المقبلة تستدعي التفكير في تمكين الساكنة من أدوات ديمقراطية حقيقية تُفرز نخبًا جديدة تعبّر عن التنوع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الحقيقي داخل الأقاليم الجنوبية، بعيدًا عن منطق المحاصصة أو الاستمرارية الإدارية لنخب ما قبل النزاع على ضفتي الجدار الدفاعي.
رابعا: دقة التعامل مع ساكنة المخيمات وتفكيك صورتها التجريدية
الواقع يكشف أن الجزائر والبوليساريو رفضتا أي إحصاء محايد، وعمدتا إلى إغراق المخيمات بأفراد من أصول غير صحراوية. وهنا يصبح من الضروري التأكيد على أن المغرب لا يرفض عودة من خرج، بل من لم يكن قط جزءًا من النسيج الصحراوي المغربي.
رابعا: مقترحات تطويرية للمرحلة الثانية من التقرير
استثمار قدرة الدولة المغربية على هندسة مرحلة ما بعد النزاع
بحيث يمكن أن يتعمق النقاش داخل المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، مستقبلا في تقديم تصور لاستراتيجية الدولة المغربية في بناء التوازنات المؤسسية، وإعادة توزيع السلطة والموارد والثقافة والهوية في إطار الجهوية المتقدمة.
الانفتاح على البعد القانوني الدولي
من المفيد إدراج مقاربة قانونية تشرح كيف أن غياب الإحصاء، ورفض الجزائر لتدخل المفوضية السامية، يعقّد مسألة العودة ويطرح تساؤلات قانونية حول الوضع الفعلي للساكنة.
دمج الاقتصاد السياسي للنزاع ضمن التحليل
من المفيد تحليل بُنية الريع في المخيمات، وكيف أن شبكة المساعدات الدولية أصبحت أداة لإدامة النفوذ بدل إنهاء النزاع.
التوسع في تحليل دور الجزائر كفاعل محدد للمستقبل
أي تحول داخلي في الجزائر سيؤثر مباشرة على مصير البوليساريو، ويمكن للنقاشات المقبلة أن تطرح سيناريوهات التحول في الموقف الجزائري، سواء عبر الضغط الدولي، أو تغير التوازنات داخل السلطة الجزائرية نفسها.
خاتمة
إن تقرير “ما هو مصير البوليساريو” يضع المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات في موقع متقدّم على مستوى التفكير الاستراتيجي، ويؤهله – في حال تطوير النسخة الثانية – لأن يقدم تصورًا وطنيًا عقلانيًا لما بعد التسوية، يربط بين الواقعية السياسية، والتفكير الحقوقي، والإرادة السيادية، وهو ما ينسجم مع الرؤية الملكية لمغربية الصحراء، ويترجم التزامات المغرب أمام شركائه الإقليميين والدوليين.