30 يوليو 2025 / 10:02

قراءة في الخطاب الملكي لعيد العرش: العدالة المجالية بين التحول المغربي وأخلاقيات الجوار

عبد الحي السملالي

مقدمة

في لحظة سياسية مشبعة بالتوترات المجالية والتطلعات الشعبية، يأتي خطاب العرش لسنة 2025 ليحمل مشروعًا دلاليًا وسياسيًا يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجال. لكن هذه اللحظة لا تُختزل في التوزيع المجالي فحسب، بل تتقاطع مع رهانات السيادة، شرعية التحول، وأخلاقيات الجوار المغاربي. من هنا، يقارب هذا المقال الخطاب من أربع زوايا مترابطة: التحول المفهومي في الجهوية السياسية، المقاربات الفلسفية للعدالة، المقارنة مع التجارب الأوروبية، ثم الرسائل الجيوسياسية الخفية في إشارة الجزائر.

الجهوية السياسية: من التمركز إلى الشراكة المجالية

الخطاب الملكي يسجل تحولاً نوعياً في تصور الدولة للمجال الترابي. لم يعد ينظر إلى الجهات كمجالات تنفيذية، بل كفضاءات تقريرية تشارك في صياغة الأولويات الوطنية انطلاقًا من خصوصياتها:

• يشير إلى “جيل جديد من برامج التنمية الترابية” لا يرتكز على منطق المركز، بل على مفهوم التكامل والتضامن المجالي.
• يدعو الحكومة لتجاوز التفاوتات البنيوية والانتقال نحو نماذج تنموية تراعي الخصوصية دون الإخلال بالوحدة الوطنية.
• يتبنى تصورًا تعاقديًا بين المركز والجهات، تُصاغ فيه الأهداف والموارد بشكل أفقي لا رأسي.

العدالة المجالية كفلسفة توزيع واعتراف

من زاوية فلسفية، يتقاطع الخطاب مع تيارات متعددة ويمكن أن نستأنس بما جاء في بعض الأعمال البحثية من باب القراءة المركبة:

• مع رولز، حين يرفض منطق “مغرب بسرعتين”، ويعيد تعريف العدالة كمبدأ تنظيمي قائم على الإنصاف.
• مع أمارتيا سن، حين يربط العدالة بالتمكين البشري، ويجعل التعليم والصحة شرطًا للمشاركة الفعالة.
• مع علال الفاسي، حين يرفض التراتبية المجالية، ويؤسس لمبدأ “المجال للجميع، لا مجال للنخبة”.

العدالة هنا تُفهم كثنائية توزيع واعتراف، وتشكل مدخلًا لإعادة بناء مفاهيم الشرعية والمواطنة.

مقارنات مع النموذجين الإسباني والإيطالي: دروس في التوازن والتماسك

النموذج الإسباني:

• يمنح الجهات صلاحيات واسعة، لكنه واجه اختلالات الهوية والانفصال كما في كتالونيا.
• يوضح أن التمكين يجب أن يكون مصحوبًا برؤية وحدوية متجددة.

النموذج الإيطالي:

• انتقل من جهوية تنفيذية إلى تقريرية، لكنه واجه تفاوتات في الكفاءة والإنصاف المجالي.
• يبرز ضرورة بناء قدرات محلية متكافئة قبل توسيع الصلاحيات.

العدالة المجالية والسياسة الجيوسياسية: من التمكين الداخلي إلى المصالحة الخارجية

الخطاب الملكي، بالإضافة إلى استحضاره للتحولات التنموية، يحمل إشارات جيوسياسية دقيقة، أبرزها تلك المتعلقة بالجزائر. ففي سياق مشبع بالعداء، يعيد المغرب تعريف القوة لا كهيمنة بل كمسؤولية تاريخية. اليد الممدودة ليست ضعفًا بل حكمة، تروم إعادة بناء الجوار على أسس أخلاقية لا عسكرية، وربط الانتصار بالحوار لا بالاستعراض.

إنها محاولة لإعادة هندسة العلاقات المغاربية من منظور أخلاقي وتاريخي، تتجاوز منطق الشعارات والعداء العقيم، لتستدعي أفقًا جديدًا للشرعية المشتركة. بهذا، يتقاطع البعد المجالي مع البعد الإقليمي، لتصبح العدالة المجالية دعامة لسيادة أخلاقية تعيد تعريف الجوار كمصير لا كمشكلة.

خاتمة

خطاب العرش لسنة 2025 ليس فقط إعلانًا لسياسات تنموية جديدة، بل لحظة فلسفية تعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجال، بين الداخل والخارج، بين القوة والشرعية. العدالة المجالية فيه ليست توزيعًا للمشاريع فقط، بل إعادة بناء مفاهيم الاعتراف، الأخوة، والسيادة المسؤولة. والمقارنة الأوروبية، مع استحضار البعد المغاربي، تفتح الباب لنقاش مغربي داخلي حول النموذج التنموي، والسياسة الأخلاقية الممكنة في زمن التشظي.