29 يوليو 2025 / 12:12

في نقد الشريعة الملتحية

د. الناجي لمين. أستاذ الفقه والأصول بدار الحديث الحسنية في الرباط

نبَّه أحدُ الفضلاء في صفحته الماتعة على أن الجيل الجديد للحركة الاسلامية أصبح عاجزا عن مواجهة الشبهات التي يثيرها البعض عن مصادر الشريعة وعلومها وحقولها المعرفية ورموزها العلمية.

فعلقت عليه بما يلي مع بعض الزيادة والتعديل، قلت إن الحركات الاسلامية نفسها تقول أكثر من ذلك، منذ نشأتها. وقد اطلعتُ على البرنامج التكويني لحركة إسلامية بالمغرب، وقرأتُ فيه كلاما مؤسفا عن متن ابن عاشر مثلا، وهو المتن الذي كان يؤطر المغاربة الأميين مع رسالة ابن أبي زيد القيرواني قرونا: كان يؤطرهم عقديا وتعبدا وسلوكا. وكان كثير من التجار والحرفيين يحفظونه، وقد جلسوا معي في جلسات الدرس في السبعينات. الآن هناك من أساتذة العلوم الشرعية في الجامعة مَن لا يعرف أقسام الحكم العقلي، بل لا يفرق بين الحكم العقلي والشرعي والعادي، وقراء متن ابن عاشر كانوا يعرفون ذاك.

وعندما نبهتُ قبل سنتين على خطورة كلام الدكتور فريد الانصاري رحمه الله في تبديع الاشاعرة والماتريدية (أي تبديع عامة العلماء)، وأن المالكية أدخلوا كثيرا من البدع في مذهب مالك، وقلت: إن هذا الكلام من حيث نتيجتُه لا يختلف عما يقوله عصيد والفايد.

قامت الدنيا ولم تقعد، واتُّهمت بأنني أريد الشهرة، وبعضُهم اعتبر ذلك مِن علامات خذلان الله لي، وبعضُهم اقترح رفع دعوى ضدي، ولم تهدأ هذه العاصفة حتى حذفت كل ما كتبت، مع أن المغاربة عبر تاريخهم كانوا لا يعرفون دينهم إلا عن طريق المالكية، وأسانيدُ القراءات وكتب الحديث النبوي واللغة وصلتنا عن طريق العلماء وهم الماتريدية والاشاعرة.

أريد أن أقول: إن أول مَن جرأ الناس على الدين واتهام العلماء وتراث المسلمين هم رموز الحركة الاسلامية، تقليدا لما قرره شيخهم الأكبر رشيد رضا رحمه الله. وهاهم الآن يتحدثون عما يسمونه الثابت والمتغير، وأن المتغير من الشريعة قد يصل إلى خمسة وتسعين بالمائة، مع أن العلمانية الجزئية تعترف بنحو أربعين في المائة من الشريعة، وهي قسم العبادات بما في ذلك الصيد والذبائح. فمَن هو القريب من الشريعة: العلماني غير المتطرف أو الاسلامي الذي بنى مشروعيته على العمل على إرجاع دولته الى حضن الشريعة؟! وأي شريعة يقصد؟! الله أعلم… ألم يناد بعضهم بإلحاق ابن الزنى بالزاني؟! مع أن الدول الإسلامية لم تبح ذلك الى حد الآن مع وجود ضغوط خارجية؟ ألم يناد بعضهم بمناقشة موضوع التعصيب؟! والدول الإسلامية لم تناقش ذلك إلى حد الآن، على الرغم من الضغوط الخارحية، واقترح بعضهم في مؤلَّف خاص مناقشة عدم إدخال بيت السكنى في الارث؟ ألم يناد بعضهم بألغاء القانون الذي يجرم الإفطار العلني؟ بل صرح بعضهم، فك الله أسره، بأن الدولة الإسلامية لا شأن لها بمن يشرب الخمر، أو يفطر في رمضان، أو يترك الصلاة أصلا

وبعضُهم يوصَف بأنه مفكر إسلامي وداعية نَشَر على صفحته بكل وقاحة فيديو يقول فيه: إن الآخِرة شأن إلهي، يدخل جَنَّته مَن شاء، إشارة منه إلى أن الجنة ليست حكرا على فئة دون فئة، مع أن القرآن مِن أول آية إلى آخر آية يبين إن لأهل الجنة أوصافا خاصة معروفة لجميع المسلمين، وقال فيه أيضا: إن بعض الكفار قد يكون أمرهم أهون عند الله في الآخرة مِن بعض المسلمين، وهذا أيضا مخالفة صريحة لما لا يحصى من الآيات والأحاديث التي تفيد أن المسلم لا يستوي مع الكافر في الآخرة.

والله أعلم وأحكم.