منتصر حمادة
شيرين خانكان، باحثة إصلاحية، دنماركية الجنسية (من أب سوري وأم دنماركية)، تصنع الحدث المعرفي ــ الديني في الساحة الدنماركية منذ عقدين تقريبا، بسبب اشتغالها على ما يُصطلح عليه بـ”تجديد الخطاب الإسلامي” في الساحة الدنماركية والأوربية بشكل عام، وهذه وقفات مع كتابها الذي يحمل عنوان “المرأة هي مستقبل الإسلام”، وهي تدير مسجدا خاصا بالنساء، هناك في الدنمارك، كما تنخرط في سجالات وحوارات نقدية موجهة على الخصوص إلى التيارات الأوروبية المعادية للمسلمين (أو “الإسلاموفوبيين”)، وكذلك الحركات الإسلامية، بشتى تفرعاتها، وهو المحور الذي نتوقف عنده بداية. (هذا العرض يهم الترجمة الفرنسية للكتاب، وجاءت في 270 صفحة).
أكدت المؤلفة في أكثر من مقام في الكتاب، إلى أهمية أخذ الحيطة والحذر من التفاعل الإعلامي، بحيث تدقق كثيرا قبل التفكير في التواصل والخروج الإعلامي، وهذا نموذج بسيط أوردته في الصفحة 188، معتبرة أن كونها امرأة، تتولى مهمة الإمامة في مسجد خاص بالنساء، يُغذي موقفها المسبق من التعامل الإعلامي، خاصة أن الواقعة هنا في هذا الصفحة، تهم السباحة (حيث ارتدت لباس “البوركيني، وكانت مناسبة لتُدلي بوجهة نظر نوعية في قضية “بوركيني نيس” بفرنسا، متخذة مواقف نقدية ضد السلطات الفرنسية التي انتصرت للمرأة لاحقا)، وضد الإسلاميين هناك، وهذا تحصيل حاصل، لأنه من بين أهداف “منتدى المسلمات النقديات” الذي أسسته شيرين خانكان، نقرأ مواجهة الخطاب الاختزالي ضد المرأة، الصادر إما عن أقلام “الإسلاموفوبيا” في الساحة الأوربية، وخاصة اليمين الأوروبي، أو ذلك الصادر عن الأقلام الإسلامية الحركية، المتشددة على الخصوص كما أشارت إلى ذلك في الكتاب، باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، مضيفة: “سوف نأخذ الكلمة، ونقلب الطاولة على هذه خطاب الكراهية التي يحتكر الحقيقة، ومُروج الأحكام والوصاية كما لو كان وزارة العقدية، ضد المجتمع، عبر توزيع صكوك الحسن والقبح على المسلمين”.
يتكرر النقد المزدوج للخطاب “الإسلاموفوبي” والخطاب الإسلامي الحركي في أكثر من مناسبة، بل كان أحد فصول الكتاب مخصصا لهذا الخيار النقدي المزدوج، وتفاعلا بداية مع المعضلة “الإسلاموفوبية”، تطرح المؤلفة أسئلة وجيهة عن إمكانية مواجهة الظاهرة عبر بابين اثنين:
1 ــ الرهان على القيم الروحية للإسلام ــ ومعلوم أن هذه القيم تعرضت للتشوه أو التقزيم، أخذا بعين الاعتبار التقزيم الذي طال المدونة الأخلاقية، بالأمس واليوم ــ مراهنة على خيار التأويل، وتجديد النظر في الآيات القرآنية، حتى إنها توقفت عند عدة ستة تطبيقية بالتحديد: من باب توضيح الصورة للقارئ والمتلقي، ونخصّ بالذكر، الأمثلة المرتبطة بملفات شهادة المرأة في مقابل شهادة الرجل، تعدد الزوجات، القوامة، الإرث، الزنا، زواج المسلمة بغير المسلم.
2 ــ تعديل الصورة السلبية اللصيقة بالإسلام حول المرأة، لذلك، لا تنتظر شيرين خانكان، أتباع “العقلية الذكورية” للقيام بذلك، لذلك تُوجه الدعوة للمرأة المسلمة، الباحثة والكاتبة والموظفة والجمعوية.. إلخ، للانخراط النظري أو العملي أو كلاهما معاً، ملحة في هذا السياق، أن العمل يوجد في مقدمة الخيارات الكفيلة بالتصدي لخطاب الجهالة السائد عن المشروع الإسلامي الحركي المتشدد.
العمل مؤجه حسب المؤلفة إلى كل التيارات النسوية في القارة الأوروبية، ولا يتعلق بكتاب نهائي أو كلي حول الإسلام في أوروبا؛ أما الهدف من الكتاب، فلا يخرج عن نقل التفاعل المعرفي الرقمي نحو المجال الميداني، خاصة أن المؤلفة لديها تجربة مع العمل البحثي في علم سوسيولوجيا الأديان، وأنها مسلمة، وبالتالي، تقترح وجهة نظر جديدة في التداول الأوربي، بعيداً عن الإيديولوجيات، وفي سياق التصدي النظري والعملي للظاهرة “الإسلاموفوبية” المتصاعدة، وتحفيز أو تشجيع باقي المسلمات الأوروبيات المعاصرات، على النضال والانفتاح على تجارب جديدة، مغايرة للسائد في الساحة، وفي مقدمتها تجربة المرأة ــ الإمام، لأنها تزاول مهنة الإمامة في أحد المساجد المخصص حصراً للنساء.
اشتهت شيرين خانكان بتأسيس مؤسسة تجمع بين العمل النظري والعمل الميداني، من باب مساعدة المسلمين في التداول الدنماركي ومعه التداول الأوروبي بالتفاعل مع العديد من التحديات التي يواجهونها، من منظور إصلاحي أو تنويري، أو على الأقل، يروم التنوير.
جاء ذلك من خلال تأسيس “منتدى المسلمات النقديات”، مباشرة بعد نيل المؤلفة شهادة الدكتوراه في التصوف والعمل الإسلامي، مستلهمة التجربة من خلال زياراتها المتكررة إلى دمشق، وضمنت النواة الأولى للمشروع مجموعة من الفعاليات العلمية المسلمة المقيمة في الدنمارك، منها الطبيب خرام جبران والبروفيسور هنريك بلاشكي، ولأن هذا التأسيس جاء بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، فالأمر لا يُفيد أن المبادرة تعتبر ردا علميا عمليا على دروس تلك الأحداث، بقدر ما هي يعتبر مبادرة إيجابية تترجم وعيا بضرورة تأسيس أرضية فكرية مشتركة للمسلمين هناك، وتقديم أجوبة إصلاحية عملية، تضمنت على سبيل المثال، إحداث قاعة للصلاة خاصة بالنساء، تقودها النساء حصرا. أما النقاشات التي غالبا ما يشتغل عليها المنتدى، فلا تختلف كثيراً عن تلك السائدة لدى الخطاب الإصلاحي أو التنويري، على قلته، من قبيل قضايا “الإسلام والعلمانية”؛ “الإسلام التقدمي”؛ “التصوف”؛ “النسوية الإسلامية”.
توقفت المؤلفة عند أهداف المنتدى في أكثر من مقام في العمل، وأوجزتها على سبيل المثال في الدعوة إلى ممارسة إسلامية معاصرة، تقدمية، متسامحة، وسلمية، منفتحة، وتدافع عن المعاملة بالحسنى.
من تداعيات تأسيس هذا المنتدى، أن شيرين سوف تصدر في غضون 2006 “مانفيستو إسلامي” [نسبة إلى الإسلام وليس الإسلاموية]، في صحيفة “بوليتكن” اليومية (صحيفة دنماركية)، حيث تستعرض فيه مضامينه أهداف المنتدى، وفي مقدمتها الانتصار للنزعة النسوية الإسلامية، التي تأخذ مسافة من الخطاب الديني التقليدي في تعامله مع قضايا المرأة، ومعه الخطاب الحداثي الغربي، في مبادرة تروم الدفاع عما اصطلحنا عليها من قبل بـ”الطريق الثالث في التعامل مع قضايا المرأة المسلمة”.
ينهل هذا المنتدى من مرجعية صوفية، متأثرة على الخصوص بأعمال الشيخ محيي الدين ابن عربي، ويضم مجموعة ناشطين أكاديميين وفي العمل التطوعي، ينتصرون للهاجس الإصلاحي، هدفه التأسيس لتديّن إسلامي تعددي وديمقراطي، من خلال الرهان على إعادة قراءة روحانية للنصوص القرآنية والاعتراف بالتعددية الدينية السائدة في الساحة، وترى المؤلفة في هذا السياق، أنه لا يجب إجبار الفاعل السياسي على خلع الدين على القرارات السياسية، بقدر ما يجب الرهان على استلهام مقاصد الدين؛ وفي المقابل، لا يجب فرض التوجهات السياسية على المتدينين.