في معنى أن تكون طهائيا.. تحرير محل النزاع بخصوص كتاب “ثغور المرابطة”

ادريس عدار
آراء ومواقف
ادريس عدار20 سبتمبر 2020آخر تحديث : الأحد 20 سبتمبر 2020 - 9:00 مساءً
في معنى أن تكون طهائيا.. تحرير محل النزاع بخصوص كتاب “ثغور المرابطة”

إدريس عدار
ليس هناك مشكلة في أن يكون طه عبد الرحمن مثار إعجاب من حوارييه لا سيما المقتنعين بتفاصيل أفكاره وسياقاتها، لكن المشكلة ستصبح كبيرا حينما نقع في الكيد الذي يبحث له عن مبرر طهائي، وسيكون المشكل أكبر لما تواجه من لا يخرج في منازعتك من حالة الوصف والتمجيد والتقديس. وهكذا انتظرنا من عنترة أن يأتينا بما هو مقنع ولكنه لم يقم بشيء غير تكرار العبارات التي هي الأخرى وعلى بساطتها ليست من عنديته بل تقليدا لمن سبقه الى هذه الحرفة بسنوات ضوئية. من قرأ لزعطوط الهارب من حلقة جامع الفنا يظن أنه سيخبرنا بما لم يكن في الحسبان، يشكو من نوعية الكتابة التي يصادفها في الفايسبوك واعادنا الى الغزالي في تهافت التهافت وابن رشد وكأنه اكتشف معلومة جديدة، وثقافة القطيع التي حاول ان يدشنها وهو يزمجر كأن أحدا وكله ليدخل في نقاش أكبر منه بين باحثين باشرا طروحاتهما قبل أن يكون لزعطوط أثر، ولكن هذا الأخير لم يخبرنا أين نجد كتاباته غير الفضاء الأزرق ولم نجد له نسقا ولا مشروعا ولا إسما. وهذا هو التواضع الذي تفرضه الأخلاق الائتمانية التي تقتضي الأمانة في وصف النفس والآخر.

نازعنا القوم في مفهوم “فيلسوف المقاومة”، الذي أسبغوه على طه عبد الرحمن فنازعونا في أحقية الكتابة، وظهر من خلال مجموعة مقالات صغناها حول الموضوع، ونعتقد أنها تخضع في حدها الأدنى لمنطق الاستدلال، لكن الطرف الآخر فضل الهروب، ورمانا بما اتهمناه به، حيث ظل يكرر الجملة نفسها مشفوعة بكم من السب والشتم، واليوم يرمينا بهذه التهمة ويقول إنني أكرر الكلام ذاته، وما جاء مكررا هو مقصود من أجل التأكيد والتذكير، ولكن هذه مقالاتنا ما زالت متوفرة تشهد أن كل واحدة منها تضمنت ردا مخصوصا بقضية محددة تنفي صفة “فيلسوف المقاومة” عن طه عبد الرحمن بل تضعه في صف العداء لها.

واكتشفنا أن الطرف الآخر يتحدث باسم ما يسمى “الطهائيين”، الذين يحصون حتى عدد علامات الإعجاب، ولا يهم كم قرأ مقالاتي من أحد، وهي مقالات تطوعت مجموعة من المواقع الرقمية لنقلها، وحتى إذ لم يقرأها كثيرون فهذا ليس معيبا في حقي. ادعى من فاته قطار “الطهائيين” أنني لم أقل شيئا وأكرر نفس الكلام دفاعا عن شخص معين، ومن زعموا أني أدافع عنه هو صاحب مشروع فكري له عشرات الكتب والدراسات والمحاضرات، ولست معنيا أصلا بالدفاع عنه، ولكن لأن من ألف أن يكون عبدا يظن أن موافقة كاتب في أفكاره تبعية.
فلنضعها “في الجبّاد الأخير” مع هؤلاء.

لنفترض أنني لم أقل شيئا، لكن التحدي يفترض أن تبينوا لنا طهائيتكم حيث فشلتم في تلخيص بسيط لكتاب بسيط.

أعتقد أن طه عبد الرحمن ليس شيخ زاوية حتى يكون عنده أتباع، فهو مفكر وفي أقصى الحالات يكون لديه تلاميذ. وحاول الطرف الآخر تأكيد أن طه فيلسوف ومفكر ولم ننازعه في الأمر لأن موضوعنا كان هو كتاب ثغور المرابطة وموقفه من المقاومة.

لن تكون طهائيا بمجرد إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي وسب وشتم كل من سولت له نفسه كتابة دراسة أو مقال أو جملة عن طه عبد الرحمن بطريقة صنمية تخالف كل ادعاءات الائتمانية بما هي مخرج أخلاقي كما يدعي صاحبها، فهؤلاء يسيؤون إليه بشكل كبير بينما في كل كتاباتي لم أسيء الحديث إليه، واقتصر نقدي على موقفه من المقاومة.

طه عبد الرحمن له مشروع فكري، وقد أسس نسقا له مفاهيم مركزية وأخرى فرعية، وانتقده كثيرون كما انتقد هو كثيرين، بل يغلط القول في حق خصومه أو من يفترض أنهم خصومه، وكي تكون طهائيا لا يكفي أن تردد كلامه أو تدافع عنه بشكل “قردي”، كما أن كتاباته لا تقبل شُراحا، فكلامه مفهوم إلا لمن كان “مسطولا”، وليس من التلمذة أصلا ممارسة الشرح، لأن هذا الأمر قد يقوم به حتى خصومه وقد قام به تلامذته الحقيقيين وليس المشردين والحراكة الذين فاتهم القطار، فهناك أستاذ جامعي يقوم بتدريس طه ويقدمه بشرح موسع لكنه ينتقده في الأخير.

لم يبق أمام من يدعي أنه طهائي سوى أمر واحد. الرجل أنشأ مشروعا فكريا، ومن النادر أن يلتفت المفكر وراءه، ففي الغالب لا يعود إلى ما كتب إلا نادرا، ويمنعه من مراجعة أفكاره أمران باعتقادنا، الأول يتعلق بعامل نفسي يمنع الكاتب من الاعتراف بأن أفكاره أصبحت متجاوزة. لا يعقل أن يبقى الكاتب أو المفكر متشبثا بما توصل إليه منذ ثلاثين سنة، وكأن الكون توقف في انتظاره، وكثير منهم يتمسكون بذلك رغم ظهور معطيات جديدة ورغم التطور العلمي الذي يفرض مراجعات للمفاهيم، والثاني قد يكون مجرد غفلة من الكاتب حيث ينسى ما كتب.

عندما يعاني مشروع فكري من هذا الجمود يصبح غير منتج للمعرفة، كباقي المشاريع التي قضى أصحابها، ولم تجد من يتداولها، فتدخل تاريخ الأفكار، لكن معانيها تموت مع الوقت. وأي مشروع فكري تكون فيه ثغرات وثقوب لا ينتبه إليها صاحبها.

فدور التلاميذ هو ملأ الثقوب وسد الثغرات. التلميذ هو مفكر أيضا لكن لم ينتج نسقا خاصا ولكن يقوم بعملية الإبداع من داخل نسق أستاذه ويقوم بتطويره، وبتفاعل إنتاجات التلاميذ يتوسع المشروع ويبقى حيا.

أيها الطهائيون المزيفون – لأنني أميزهم عن الطهائيين الحقيقيين – أُقر لكم أنني لم أكتب شيئا حول شيخكم، غير أني أنتظر أن تدلوني على كتاباتكم حول طه. كم دراسة أنجزتم حوله وكم كتابا طبعتم وأين يمكنني العثور عليها؟

سيبقى التحدي مرفوع ما لم تجيبوا عن سؤالي حول إنتاجكم باعتباركم تلاميذ كما تقولون أو طهائيون.

أما فيما يخص ما ذهب إليه الطهائيون أو المتشعبطين الاثنين بخصوص كتاب ثغور المرابطة، فهو مضحك. لقد زعموا أنه غاضني أو غاضنا أن ينتقد طه عبد الرحمن النظام الإيراني وبعض سياساته.

من الغباء جدا أن تخلط هذا بذاك في صيغة يمارسها “البركاكة” فقط، مع أن الحراكة هم من يستفيد من تلك الرعاية وليس أنا. لقد كررت مرارا أن كتاباتي عن المقاومة هي في العنوان الكبير، الذي هو مواجهة الاستكبار العالمي ودولة الاحتلال ولا أدخل في التفاصيل مثلما تدخلون. ليست قصتي هي الرد على طه لأنه كتب عن بلد له فلاسفته ومفكروه. وما يعنيني أنا في هذا الموضوع وأنا أعيش في بلدي ولم أهاجر لأعيش من أموال “التبليغ”. هذا الأمر مطروح عليكم لا علي.

محل النزاع ليس هو هذه المغالطة “القردية”. محل النزاع يتعلق بموقف طه عبد الرحمن من المقاومة بما هي خيار يتسع لتجاوز المفهوم الإخواني، الذي يساند نوعا منها، بل يقاتل ضد محور المقاومة. ولم يكن غرض طه انتقاد إيران بما هي ممارسة سياسية، لا تعنيني أنا، ولكن انتقدها كقائدة لمحور المقاومة معتبرا اقتدارها في سياق التأسيس للفعل المقاوم مجرد اغترار.

حتى الآن لم أجد جوابا على انتقادات طه ليس على السياسات فهذا يؤكد على ضعف المدعيين وجهلهما الكبير لأن طه دعا لثورة ضد النظام نفسه، اي ثورة أخلاقية ضد النظام نفسه وكنت وضعت نصوصه واضحة في ذلك. وهذه حجة ضد من يدعي أنه يعيش في كنف نظام وهو يزايد على من يدعو للثورة عليه وكأن الأسس التي قام عليها ذلك النظام ليست أخلاقية.

ان كتاب ثغور المرابطة هو نقيض جوهري لنظام وثقافة وأسس ذلك المحور. والغريب حين يقول أن طه قريب من تلك المدرسة فهذا وصف غبيّ لأنّ طه في هذا الكتاب أعلن عن نقضه لتلك المدرسة نظاما وسياسة وعقيدة وثقافة. كيف يمكنك إقناع هذا النوع من البشر، نتحدث في قضية ويتيه بنا في أوصاف إنشائية بليدة ويسرد علينا قصصا يعرفها صغارنا كما لو أنه اكتشف اكتشافا عظيما. ندعو كل من قرأ تلك التفاهات أن يقرأ كتاب ثغور المرابطة ليكتشف مقدار الدجل والجهل ليس فيما كتبه طه عبد الرحمن لأن ذلك رأيه وهو حرّ فيه ولكن نقصد أولئك الذين يحاولون بطريقة غريبة وبليدة أن يجعلوه فيلسوف شيء هو يدعو للثورة الاخلاقية ضده ويصادره حقه في الاعتبار.

وكما قلنا إنها ملاحظات ضرورية لمن تطفل على شيء لا يحسنه أما النقاش المفصل والدقيق سيأتي قريبا بعد أن نبتعد من محيط الحلقة ورقصة القرود.

نحن نعرف جيدا حجم من يختبئ خلف هذه الهزلية ونعرف سياق مشاعر الحقد والحسد، والأسباب ما ظهر منها وما بطن، غير أن هناك من يظن أنه أذكى، والفرق كبير بين الأذكى والأخبث.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.