في مدح كورونا

محمد علي لعموري
آراء ومواقف
محمد علي لعموري5 أبريل 2020آخر تحديث : الأحد 5 أبريل 2020 - 5:02 مساءً
في مدح كورونا

محمد علي لعموري
سألني صديق لم أره منذ بدأ الحجر واعتكفت في البيت التزاما : إن كان فيروس كورونا موجودا ؟
سؤال بدا لي غريبا في عز الأزمة وساذجا في آن واحد !
أمعنت التفكير مليا وقبل أن أرد عليه راودتني نظرية المؤامرة فلعله كان يعنيها ، فقلت له : وكيف تفسر كل هذا الإستنفار العالمي ؟ وكل هؤلاء الضحايا الذين يسقطون تباعا ؟
وهنا كشف لي صديقي المغترب في الديار البلجيكية ويتواجد هذه الأيام بالمغرب ؛ إذ جاء لقضاء عطلته ؛ فإذا به يقضي فترة الحجر بالعاصمة راكنا سيارته السياحية الشبيهة بالمنزل الصغير المتحرك المجهز وأتواصل معه تارة عبر تطبيق الواتساب وتارة عبر اتصال هاتفي ؛ قلت كشف لي عن إيمانه بنظرية المؤامرة المحبوكة بعناية والمستفيد منها أطراف ودول تروم تشديد الخناق على الحريات واستعادة دور الدولة في الضبط والمراقبة وتقييد الحريات..
قد لا أجاري صديقي فيما ذهب إليه بعيدا ، وقد تنكشف الحقيقة بعد حين ، وقد تتسرب أدلة ووثائق تدعم هذا الطرح وتؤكده ليحكي التاريخ فيما بعد عن مؤامرة الإنسان ضد الإنسان ، أي مؤامرة الإنسان ضد نفسه وضد الحياة من أجل أنانية مغرقة في الوحشية…
دعونا لا نعير لهذا الطرح كبير اهتمام في الوقت الحالي ، وإن كان الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين قد فجرها في مقال له يغلب طرح استغلال الدول لوباء كورونا من أجل جعل حالة الإستثناء هي القاعدة وفرض الطوارىء كسياسة جديدة لضبط الحريات العامة.
كورونا كخطر متفشي في بقاع العالم يعلمنا كيف نعيد فتح الأسئلة الموصدة بسبب سياسة الإلهاء وثقافة الإستهلاك وقيم التحرر الكبير الذي جلب كورونا من أقصى بلد آسيوي (الصين) إلى مناطق كانت تستخف بالعدوى مثل أوروبا التي تدعي مركزية عقلها الليبرالي في تصدير ثقافة التحرر إلى دول العالم الثالث ، لتستفيق على الفيروس وقد حصد الآلاف بدولها المؤسسة للإتحاد الأوروبي.
تبخرت كل مظاهر البذخ والتبضع الفاحش وكل حركات التنقل والسياحة وأغلقت دول أوروبا الباب على نفسها ، كل دولة منكفئة تواجه مصيرها بنفسها ، في أنانية مفرطة ساءلت مآلات الإتحاد الأوروبي بعد غضب الساكنة الإيطالية من تخلي الجيران وحلفاء الإتحاد عنهم في مثل هذه الظروف العصيبة.
كورونا كشف زيف هشاشة الحضارة المعاصرة رغم عولمة النموذج التكنولوجي ليزيد من تفاقم الذعر بين الناس ، وليتغير أسلوب التواصل بينهم تطبيقا لقاعدة “أنا ومن بعدي الطوفان” المغلفة بشعار “الوقاية خير من العلاج” !
كورونا الذي لا يعرف سوى البحث عن مكان يعيش فيه من أجل التكاثر ثم التكاثر ثم التكاثر ، حقق لدول أوروبية ؛ تعيش صعوبات مالية ؛ فرصة لتخفيف العبء على ميزانياتها وصناديقها المتعبة بسبب نظام التكفل والتقاعد والرعاية الصحية للشيوخ والعجزة الذين يمتصون ميزانية ضخمة ، فجاء كورونا ليقتل أغلب المسنين وذوي الأمراض المزمنة…
جاء كورونا أيضا لينظف البيئة من التلوث ، وليجمع شمل الأسرة ، وليضع العولمة في مأزق المراجعة وتعديل غلوائها بتبني نمط عيش مختلف لدى أفراد اعتادوا على نمط مازوشي -إن صح الإقتباس- يسيء للذات أكثر مما يسعدها.
كورونا ربما سيساعدنا بسبب هذا الحجر وهذه الطوارىء وهذا التقييد للحريات على إعادة اكتشاف الذات وإعادة فهم معنى الحرية وإدراك قيمة الحياة وتقدير العيش المشترك.
وحدها الشعوب الواعية التي نال منها الفيروس تستطيع تعلم شيء جديد من تداعيات هذه الجائحة.
ولنا أن نتصور حال العالم لما بعد اختفاء فيروس كورونا ، عالم متغير سيسمح للأفراد بتأسيس وعي إنساني بقيمة الوقت وأهمية المكان والإنسان وقيمة الحياة التي نهدرها في التفاهات وفي الحروب وفي الصراعات بدل إشاعة الحب والصداقة والخير والإستمتاع بالجمال وبالتعاون الإتحاد بين الدول من أجل العيش المشترك في ظل التعدد والتنوع وغنى التجارب الحياتية المتبادلة.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.