خاص بموقع دين بريس
توصل المهندس والباحث المغربي “حسن عمر فتاح”، عضو الهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، في عرض علمي قدمه الخميس الماضي في رحاب كلية العلوم بالرباط، إلى نتائج غير مسبوقة قد تكشف عن هوية ذي القرنين.
هذا الطرح جاء بعد سنوات من البحث، جمع فيه بين دراسات الإحكام العددي، والتحليل الحاسوبي للنصوص القرآنية، والتحقيق في النقوش والرموز المصرية القديمة، إلى جانب توظيف معطيات جغرافية وفلكية معاصرة، ليعيد بناء تصور جديد لمعالم هذه القصة القرآنية التي حيّرت المفسرين لمئات السنين.
واعتمد الباحث في دراسته على تتبع دقيق لرحلات ذو القرنين، كما وردت في الآيات: “حتى إذا بلغ مغرب الشمس”، و”حتى إذا بلغ مطلع الشمس”، و”حتى إذا بلغ بين السدين”، معتبرا أن هذه ليست إشارات رمزية، بل توصيفات جغرافية دقيقة لمسارات حقيقية على سطح الأرض.
وقد استند في تحليله إلى دوران الأرض حول محورها بسرعة 360 درجة كل 24 ساعة، أي بمعدل 15 درجة في الساعة، ما يعادل قطع الشمس لقرابة 20,037 كلم بين الشروق والغروب على خط الاستواء.
وإذا كان ذو القرنين قد لحق بالشمس من مغربها إلى مطلعها، فإن السرعة التي احتاجها لقطع هذه المسافة في 12 ساعة تقارب 1670 كلم/ساعة، وهي السرعة التي كانت تبلغها طائرة الكونكورد، ما يلمّح إلى وسيلة إعجازية خارقة وفّرها الله لهذا النبي.
وفي محاولة لتحديد موقع “عين حمئة” على ضوء المعطيات السابقة، استنتج الباحث أنها في جزر هاواي، وبالضبط المنطقة البركانية النشطة التي تُعرف علميا باسم Hot Spot، وتقع على خط الطول 155.92°W والعرض 19.39°N، وهي منطقة شهدت انفجارات متكررة، آخرها سنة 2009 بعمق 2500 متر تقريبا، وقد غطت الحمم البركانية مساحة كبيرة من الأرض والبحر بما يطابق وصف “عين حمئة”.
أما “مطلع الشمس”، فحدده الباحث بمدينة جايابورا (Jayapura) عاصمة مقاطعة بابوا (Papua) والتي تقع شرق إندونيسيا، وتتميز بشدة إشعاع الشمس فيها، وانعدام الحواجز الطبيعية، ما ينسجم مع وصف القرآن لقوم “لم نجعل لهم من دونها سترا”، وتبلغ المسافة من هونولولو في هاواي إلى شرق إندونيسيا حوالي 8000 إلى 9000 كم، مما يدعم طرحه المرتكز على سرعة ما بين 1600 كم/ساعة إلى 1670 كلم/ساعة.
وفي المرحلة الثالثة من الرحلة، قدّم تفسيرا متقدما لمسار الرحلة مؤكدا على أنها كانت باتجاه القطب الجنوبي وليس الشمالي، حيث القطب الجنوبي يتميز بكونه أرض تكسوها طبقات الجليد، بخلاف القطب الشمالي الذي هو عبارة عن محيط متجمد، وحيث هذه المنطقة غنية بالحديد وبالنحاس.
والموارد المعدنية المعروفة في المنطقة أو المشتبه في وجودها كالآتي:
الفحم: عُثر على طبقات فحم في الجبال العابرة للقارة القطبية الجنوبية.
زبر الحديد: تشير بعض التكوينات الجيولوجية إلى وجود صخور غنية بالحديد.
النحاس والذهب والنيكل والبلاتين: قد توجد هذه المعادن بكميات ضئيلة، خاصة في السلاسل الجبلية مثل جبال الأمير تشارلز.
النفط والغاز الطبيعي: قد تحتوي الأحواض الرسوبية البحرية وتحت الجليدية على احتياطيات من الهيدروكربون، على الرغم من محدودية الاستكشاف.
النيازك: تُعد القارة القطبية الجنوبية موقعًا مثاليًا لجمع النيازك، وخاصة في الغطاء الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية.
خارطة تبين المسار المقترح لرحلة ذو القرنين باتجاه القطب الجنوبي
وبالاعتماد على التحليل الطبوغرافي للقارة الجنوبية، وباعتبار أن بناء الردم لم يتم بين جبلين عاديين، بل على الأغلب في فجوة تقع بين سلسلتين جبليتين، وبوجود زبر الحديد (والنحاس) في تلك المناطق بوفرة، ذهب الباحث إلى أن القارة القطبية الجنوبية هي المكان المحتمل الذي انتهت إليه الرحلة، كما أشار إلى استخدام تقنيات هندسية عالية لبناء الردم من الحديد والنحاس المنصهر، وهو ما يُعد إنجازا متقدما حتى بالمقاييس الحالية.
غير أن ما يميز طرح حسن عمر فتاح هو ربطه بين شخصية ذي القرنين وشخصية النبي يونس عليه السلام، مستندا إلى مفاتيح لغوية وعددية وتاريخية، فاسم “ذو القرنين” لا يحيل فقط إلى القوة، بل إلى زمنين أو عصرين أو قطبين متقابلين، وهو ما ينطبق في التاريخ على رجل عرف عند اليونانيين ب “ديونيسوس”، وعند قدماء المصريين ب (دان) وهو في القرآن “ذو النون”.
وفي القرآن وجدنا قصة يونس عليه السلام، الذي عرف بلقبين مختلفين، وجمع بين حالتي النبوة والابتلاء العظيم، الأرض والبحر، اليابسة وجوف الحوت، في قصة عجيبة حفزت العقول وألهمت أصحاب الأساطير، وبخلاف قصة يوسف عليه السلام التي وردت كاملة في سورة يوسف، لم ترد قصة يونس عليه السلام في سورة يونس كما هو متوقع، ولكن وردت في عشر آيات في سورة الصافات، وكأن القصة رُحّلت في الزمن إلى مستقبل قريب أو بعيد.
كما قدّم الباحث تحليلا دقيقا لعدد الحروف والآيات المرتبطة بقصتي يونس وذي القرنين، ووجد تقاطعات عددية لافتة لا يمكن اعتبارها محض صدفة.
ولتعزيز فرضيته، قام الباحث بدراسة رموز وأسماء وردت في النقوش المصرية القديمة، وما يقابلها في الأساطير اليونانية، وحتى في الهندوسية، فوجد إشارات دالة على رجل عظيم قاد حملة عسكرية قبل الإسكندر بآلاف السنين، وتحمل بعض أسمائه رموزا تتقاطع مع الجذر الثلاثي “ي-ن-س”. وقد ربط الباحث هذه الحملة بأزمنة جيولوجية شديدة النشاط.
وخلص المهندس في نهاية دراسته إلى أن ذي القرنين لم يكن ملكا عاديا ولا قائدا عسكريا فحسب، بل نبيا صاحب رسالة عالمية، هو نفسه النبي يونس عليه السلام، وقد جمع بين الرحلات الأرضية والتجربة المعجزة داخل بطن الحوت، ما يجعل منه أول شخصية قرآنية خاضت تجربة ذات طابع كوني، يمكن أن نقول عنها: أول شخصية آنست الحق، ما يشير إليه بوضوح الاسم “يونس”، كذلك كون كلمة “الحق” معرفة (بدون ملحقات) وردت في القرآن الكريم 109 مرة بعدد آيات سورة يونس، ما يضفي مزيدا من المصداقية على هذا الاستنتاج.
وبهذه القراءة المتميزة والمدعومة بحجج علمية وعددية ورمزية، يُقدّم حسن عمر فتاح واحدة من أكثر الطروحات الجريئة حول هوية ذو القرنين، داعيا المؤسسات العلمية والبحثية الإسلامية إلى فتح المجال للمزيد من البحث في هذا الموضوع والذي من شأنه أن يجعلنا نُعيد النظر في الكثير من المسلمات، من خلال الأخذ بأدوات العصر، دون الإخلال بثوابت النص أو مقاصده الكبرى.