21 أغسطس 2025 / 07:19

في الذكرى الثانية والسبعين لثورة الملك والشعب: ذاكرة وطنية ومشروع مستقبلي

الدكتور حسن العاصي ـ باحث أكاديمي وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمارك
في ظل أجواء وطنية مشحونة بالفخر والانتماء، يُحيي الشعب المغربي، إلى جانب نساء ورجال الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، يوم الأربعاء 20 غشت 2025، الذكرى الثانية والسبعين لملحمة ثورة الملك والشعب.

تلك اللحظة التاريخية التي خلّدت أسمى صور التلاحم بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي، في مسيرة نضالية جسورة من أجل تحرير الوطن، وانتزاع استقلاله، وترسيخ وحدته الترابية.

في مثل هذا اليوم من كل عام، يقف المغاربة وقفة تأمل واعتزاز وهم يُحيون ذكرى ثورة الملك والشعب، تلك اللحظة التاريخية التي تجاوزت حدود السياسة لتصبح رمزاً خالداً للتلاحم بين القيادة والشعب، بين الإرادة الملكية والوجدان الجماعي، بين الحلم بالحرية والواقع الذي صاغه النضال.

لقد كانت سنة 1953 نقطة تحول مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، حين أقدمت سلطات الحماية الفرنسية على نفي الملك محمد الخامس، ظناً منها أن نفي الرمز سيُطفئ جذوة المقاومة.

لكن ما حدث كان العكس تماماً: الشعب المغربي، بكل فئاته، انتفض دفاعًا عن شرعيته، عن كرامته، وعن وطنه. لم تكن ثورة سياسية فحسب، بل كانت ثورة أخلاقية، ثقافية، وهوياتية، أعادت تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين التاريخ والمستقبل.

واليوم، ونحن نعيش في ظل جلالة الملك محمد السادس أطال الله في عمره، نستعيد تلك اللحظة لا كذكرى عابرة، بل كمنارة تُضيء طريقنا نحو مغرب جديد، مغرب الحداثة والعدالة الاجتماعية، مغرب التنمية المستدامة والانفتاح على العالم، دون التفريط في الثوابت الوطنية.

لقد أثبت جلالة الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، أنه وريث شرعي لتلك الثورة، ليس فقط من حيث النسب، بل من حيث الرؤية والالتزام. فالمشاريع الكبرى التي أطلقها جلالته، من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، إلى النموذج التنموي الجديد، إلى الدبلوماسية الإفريقية النشطة، كلها تعكس روح تلك الثورة: الانحياز للشعب، والرهان على المستقبل، والوفاء للتاريخ.

وفي زمن تتعالى فيه الأصوات المشككة، وتزداد فيه التحديات الإقليمية والدولية، يظل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس نموذجاً للاستقرار الذكي، الذي لا يقوم على القمع أو الانغلاق، بل على الإصلاح، والانفتاح، والتوازن بين الأصالة والمعاصرة.

إن مناصرة الملك ليست موقفاً عاطفياً أو بروتوكولياً، بل هي موقف مبدئي، عقلاني، وطني، وأخلاقي. لأن الملكية في المغرب ليست مجرد مؤسسة دستورية، بل هي ضمير الأمة، وضمانة وحدتها، وصمام أمانها في وجه التقلبات.

ومن يقرأ التاريخ المغربي بإنصاف، يدرك أن كل لحظة مفصلية في هذا البلد كانت الملكية فيها حاضرة، فاعلة، ومؤثرة.

ولعل ما يميز المغرب عن كثير من الدول هو هذا التوازن الدقيق بين الشرعية التاريخية والشرعية الشعبية، بين القيادة الحكيمة والمؤسسات الديمقراطية، بين الهوية الوطنية والانفتاح الكوني.

وهذا التوازن لا يمكن الحفاظ عليه إلا من خلال علاقة ثقة متبادلة بين الملك والشعب، علاقة تُبنى على الصراحة، والإنجاز، والاحترام المتبادل.

في ذكرى ثورة الملك والشعب، لا نكتفي بالاحتفال، بل نُجدد العهد: عهد الوفاء للوطن، للملك، وللقيم التي جعلت من المغرب بلداً استثنائياً في محيطه.

نُجدد الإيمان بأن المستقبل لا يُصنع بالشعارات، بل بالعمل، وبالوعي، وبالانخراط الجماعي في مشروع وطني جامع.

وإذا كانت الثورة الأولى قد حررت الأرض، فإن الثورة الثانية التي نقودها اليوم بقيادة جلالة الملك محمد السادس، هي ثورة تحرير الإنسان: من الفقر، من الجهل، من التهميش، ومن كل ما يُعيق انطلاقته نحو حياة كريمة.

إن المغرب اليوم لا يطلب من أبنائه الولاء الأعمى، بل يطلب منهم المشاركة الواعية، النقد البناء، والانخراط الإيجابي. والملك، كما أثبت مراراً، لا يخشى النقد، بل يُرحب به حين يكون صادقاً، نزيهاً، ومبنياً على حب الوطن.

في هذه الذكرى المجيدة، نقولها بوضوح: نحن مع الملك، لأننا مع المغرب. نحن مع الاستقرار، لأننا نؤمن أن التنمية لا تُبنى على الفوضى. نحن مع الإصلاح، لأننا نريد مغرباً أكثر عدالة، أكثر إشراقاً، وأكثر قدرة على مواجهة المستقبل.

ولمن يسأل عن معنى الوطنية اليوم، نقول: الوطنية هي أن تُحب وطنك دون أن تكره الآخرين، أن تُناصر ملكك دون أن تُقصي المختلفين، أن تُدافع عن مؤسساتك دون أن تُغفل حاجتها للتطوير.

هكذا نُحيي ذكرى ثورة الملك والشعب: لا بالبكاء على الماضي، بل بالبناء للمستقبل. لا بالاحتفاء الرمزي، بل بالانخراط العملي. لا بالشعارات، بل بالمواقف.

عاش المغرب، وعاش الملك، وعاشت الثورة التي لا تزال تُلهمنا لنكون أفضل، أقوى، وأصدق.