15 يونيو 2025 / 13:01

في أسباب انتشار خطاب التخوين محليا، رغم الخصوصية المغربية: فرضيات للنقاش

عبد الصادقي بومدين

في المغرب اتخاذ أي موقف يتعلق بقضية او حدث بشرق المتوسط يواجه، في الغالب إن كان مختلفا عن الرائج الشعبوي عادة، من طرف اشخاص وحتى تنظيمات وأحزاب بـ”إرهاب فكري” باتهامات جاهزة تردد منذ عقود وتخوين [؟] وبالسب والشتم في بعض الأحيان.

ثمة ثقافة مشرقية متأصلة في التعامل مع الراي الآخر المخالف. يمكن تفهم ذلك في منطقة شرق المتوسط، حيث مفهوم الديمقراطية لا معنى له وثقافة الاختلاف وحق الاختلاف شبه منعدمة، وذلك راجع لتاريخ المنطقة في الماضي البعيد والقريب والحالي والتراكم التاريخي لثقافة الراي الوحيد وفرض الراي الوحيد بإرهاب جسدي مباشر او بإرهاب فكري سواء على مستوى الدول (السلطة الفعلية) أو على مستوى التنظيمات السياسية والمدنية، ملخص هذه الثقافة: أعتقد واقتنع بما أعتقد به أو أقتلك! قتل فعلي جسدي عندما تتوفر السلطة والسلاح (ليس بالضرورة الدولة) او قتل معنوي عبر الإرهاب الفكري.

في شرق المتوسط وحواليه تم التطبيع مع هذه الثقافة.

لكن مع المغرب، نحن إزاء تاريخ مغاير، ثقافة أخرى، تراكم تاريخي مختلف، لا يسمح، نظريا، بوجود هذه الثقافة البشعة لتؤطر اشخاصا وتنظيمات.

في العصر الحديث وبعد الاستقلال بالخصوص تميز المغرب بالتعدد الفكري والسياسي والحزبي ــ بيان الحريات العامة سنة 1958 ــ وحتى وإن خضع تطبيق هذا البيان لتقلبات ومد وجزر حسب الظروف السياسية، لكن ثمة واقع تاريخي وحالي يؤكد بوضوح ان في المغرب تعدد للأفكار والمقاربات والمواقف والاحزاب والنقابات والجمعيات والصحف.

الجانب الآخر الذي يجعل المغرب متميزا على مستوى ثقافة الاختلاف وحق الاختلاف، وممارسة هذه الثقافة كما هو مفترض نظريا على الاقل، هو تأثير الثقافة الفرنسية وثقافة ” الأنوار” وارتباط النخب المغربية، عموما، ولو على مستوى الاطلاع والقراءة، بهذه الثقافة التي تحمل الكثير من العقلانية والديمقراطية (حق التعبير وحق الاختلاف)، ليس فقط من طرف النخب “الليبرالية” بل حتى من طرف النخب اليسارية التي لم تتاظر فقط بما كانت تصدره دار التقدم بموسكو أيام الاتحاد السوفيتي بل ايضا، والى حد بعيد، بما تصدره دور النشر لإنتاجات مثقفين ومفكرين فرنسيين يساريين لكنهم عقلانيين اكثر وغير دغمائيين، بعضهم رسخ، فكريا، واصل لثقافة الاختلاف. . .

المفروض، والحالة هذه، أن يكون التعبير عن رأي مخالف في المغرب أمر طبيعي جدا ومقبول يثير النقاش والمحاججة والردود السياسية والفكرية وليس بالإرهاب الفكري والسب والشتم.

فماذا حدث لنعيش هذه المفارقة: بلد به تعدد فكري، ثقافي، جمعوي، واقع تحت تأثير الفكر الديمقراطي وثقافة الاختلاف [نظريا ومفترضا على الأقل]، وفي الوقت نفسه، يواجه فيه كل مختلف عن ما هو رائج ويراد له الهيمنة والسيادة بالإرهاب الفكري بشكل بدائي وبئيس؟

الأمر بحاجة إلى تفسير، وبيان ذلك كالتالي:

1 ــ الفرضية الأولى:

أفترض أن هيمنة الفكر البعثي العروبي بعد الاستقلال وإلى حدود نهاية الألفية الثانية، على النخب الثقافية النشيطة في الحقل السياسي والثقافي والفكري، على الكتاب والصحفيين وبعض الأحزاب السياسية، كان له دور كبير في ضعف، وحتى انعدام في احيان كثيرة، للثقافة الديمقراطية كممارسة وليس كشعار بما يعني ذلك من ثقافة الاختلاف وحق الاختلاف كأمر طبيعي تماما وسلوك من أبسط السلوكات اليومية الى اعقد القضايا الفكرية او السياسية او الثقافية او الاجتماعية.

وعوض أن تتكون أجيال من المتشبعين بالفكر الديمقراطي والثقافة الديمقراطية على مستوى التصورات والمقاربات والسلوك اليومي، تشكلت اجيال تحمل، في أذهانها وممارساتها، ما يناقض ذلك تماما: رأيي صائب بإطلاق ورأيك خاطئ بإطلاق. اجيال مزدوجة الشخصية، سكيزوفرينية، تكثر الخطاب عن الديمقراطية بشكل متضخم وتمارس، فكريا، سياسيا، نقابيا، وحتى في الحياة اليومية العادية، ما يناقض تماما فكرة الديمقراطية في ابسط معانيها.

هذا لا يعني، إطلاقا، تعميم هذا الحكم وشموله لكل النخب المغربية، بل هو حكم عام لا يلغي الاستثناء، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا يلغيها كما يقال.

2 ــ الفرضية الثانية:

تفيد الفرضية الثانية، وهي مكملة للأولى، أن دخول الفكر الوهابي بقوة للمغرب ابتداء، بالخصوص، كن اواسط سبعينيات القرن الماضي، رسخ هذا التوجه الذي يلغي حق الاختلاف بل يحرمه بمنطق اخر وبمضمون آخر، لا يختلف، في الجوهر، عن الفكر البعثي الذي كان مهيمنا.

وجود هذه الارضية وهذا التراكم سهل مهمة الفكر الوهابي وجعله قادرا على التأثير القوي في نخب جديدة وشابة بارتباط مع ظروف دولية وإقليمية وحسابات واستراتيجيات قوى دولية واقليمية.

واتصور انه لو سار المغرب بروح بيان الحريات العامة وترسخت في المجتمع السياسي والثقافي والمجتمع بالمعنى العام الثقافة والديمقراطية بما هي فكر وممارسة، لما تمكن الفكر الوهابي وما انتجه مما يطلق عليه اليوم الاسلام السياسي، من تأثير قوي بل وهيمنة لدى اوساط واسعة من الشباب المغربي (يتعين الملاحظة أن هذا التأثير بدا في التقلص نسبيا وان كان ما يزال يحكم اذهان كثيرة بوعي واختيار او بدونه).

لكن يبقى ما ورد أعلاه من محاولة تفسير، مجرد محاولة، مجرد فرضيات بحاجة إالى تعميق ونقاش جدي لكن من منطلق حق الاختلاف الذي يعني أيضا حق الافتراض وحق محاولة تفسير!

هناك معضلة تواجه مثل هذه المقاربة: انحراف، تحريف، اتهام، وحتى إمكانية الشتم!

من حسن الحظ ان هناك كثيرون يتبنون مثل هذه المقاربة بدرجات متفاوتة، ولكنهم وموجودون، فالمغرب بلد التعدد والاختلاف رغم انف الاصوليين بمختلف اشكالهم وعناوينهم وشعاراتهم، دينين أو يساريين!