محمد علي لعموري
لست من هواة المقالات ذات الطابع التقريري ، بل أميل إلى التحليل ورؤية الأشياء التي أكتب عنها بمنظار فكري يغلب عليه التفلسف وطرح الأسئلة وكشف المستور..
فيروس كورونا كأي فيروس قاتل يحتاج إلى الوقاية منه ، لأن الوقاية أفضل من أي علاج ، والوقاية منه هو إتخاذ تدابير إحترازية للحيلولة دون انتشاره ليصبح جائحة تهدد حياة السكان في كل مكان.
ظهر الفيروس بالصين لينتقل لبقية دول المعمور حاصدا أرواح الناس هنا وهناك ، ومنها دول متقدمة ، فارتعبت البشرية وشرعت على الفور في اتقاء شر زحف الوباء الذي ينتقل عبر الهواء استنشاقا لرشح العاطس وعبر اللمس والعناق والإحتكاك وسط تجمعات غفيرة تفوق الخمسين شخصا..
النظافة والإعتزال إجراءان ضروريان في مثل هذه الظروف الحساسة إلى حين إيجاد مخرج طبي ناجع يمكننا من الإنتصار نهائيا على هذا الفيروس القاتل.
لكن بالموازاة تصلح بعض المسلكيات اليومية من الإنتصار على هذا الفيروس الغريب الذي ظهر فجأة مهددا المعمور ، إنه التجريد أو التأمل والتفكير بعقلانية في مآلات الإنسان فوق هذه البسيطة ؟
لقد أبان فيروس كورونا عن ذعر شديد من احتمال تداعياته وانتشاره ، فساهمت التكنولوجيا في تسريع وتيرة انتشار الخبر قبل انتشار الفيروس ، ولئن كانت لهذا التسريع التكنولوجي فوائد إخبارية ، فإن التخويف والتهويل ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة يصنع الخوف في النفوس وفي الاوساط مما يتسبب في أضرار لا تنعكس على حياة الأفراد فحسب ، بل تصيب حياة الجماعة في مقتل ، فيترتب عن ذلك كساد وهبوط في الدورة الإقتصادية واحتكار وانتعاش سماسرة الحروب والفتن والأوبئة…
بالنسبة للعالم كشف فيروس كورونا عن عيوب عولمة فقدت فيها الإنسانية صدقية العيش المشترك بسبب تفشي الفردانية ، وزاد من عزلة الفرد أن هذا الوباء ينحو باتجاه هدم أساسات تلك العولمة ، وتقويض تجلياتها الإقتصادية والثقافية.
فبسبب السياسة الإحترازية يمكن تعطيل حياة اقتصادية قد تتسبب في تفشي الوباء ، فيكون كنتيجة لذلك ، سقوط قيم الربحية في يد سماسرة الأزمة ، فلا هدف من وراء ذلك سوى الإستثمار في الخوف لشراء الأسهم أو بيع السلع بأثمنة مرتفعة أو تحطيم قيم التضامن لتزداد فردانية الغرب وبالا ، ويتكشف التضامن العربي والإسلامي المسجى بالدين عندنا عن فردانية معيبة تترجم شعارا خفيا كان لفيروس كورونا الفضل في إماطة اللثام عنه وهو : “أنا ومن بعدي الطوفان”.
ظهر ذلك من خلال تهافت السكان لشراء السلع الضرورية من المحلات التجارية حتى نفذت ، وكأن الحرب قامت ، والوباء زحف على نطاق واسع في المجتمع !
فيروس كورونا بصرف النظر عن مصدره ، ومن أي جهة تسرب أو تم تصديره ، وبصرف النظر عن خلفيات كل النظريات التي تنتصر لحرب فيروسية الغاية منها تبرر كل وسيلة ، فإنه بات وباءا عالميا يجب التعامل معه بجدية ، من طرف الدول ومن طرف الأفراد داخل مجتمعاتهم ، إلى حين وضع حد لهذا الخطر الذي يهدد حياة البشر.
بالمقابل ، يبدو الفيروس كاشفا عن بعض الحقائق مثل : خطورة العلم السلاح ذو الحدين : النافع لتقدم البشرية بتطوير الأبحاث لفائدة مستقبل البشرية فيما يخص أمد عيشها ومستوى معيشها ورفاهيتها وانتصارها على الفقر والجهل وعلى العنف…
والضار الذي يستعمل نتائجه محتكرو المعلومة والمتلاعبون بمصير البشرية ، المتحكمون في اقتصاديات العالم ، المتعاركون في ساحة دولية تحرك خيوطها مصالح الكبار ، فيسقط الفرد كقيمة إنسانية في قبضة نفس الشعار السياسي اللعين الذي أسس له ماكيافيلي وظل نبراس الدول والشركات متعددة الجنسيات وتجار الحروب القديمة منها والجديدة هو : ” الغاية تبرر الوسيلة ” !
اليوم ما ينبغي الإعتبار منه في ظل هذه التعبئة الكونية ، هو إفلاس البشرية في بناء نظام ثقافي وسياسي وإقتصادي ناجح تستفيد منه الإنسانية في كل زمان ومكان..والأحرى بالعقول المفكرة في مستقبل البشرية نقد عصر العولمة والرأسمالية المتوحشة والنظام العالمي المريض بجشع دوله الكبرى في حكم البشرية وفق منطق القوة ومنطق المصلحة ومنطق الغاية تبرر الوسيلة ومنطق التفوق ، دون مراعاة السفينة التي تجمعنا جميعا : الكوكب الأرضي الحاضن لنا ولأحلامنا وطموحاتنا..وكذا لحماقاتنا وتفاهاتنا وشرورنا…
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7313