29 مايو 2025 / 09:45

“فهل نُحرق ابن رشد؟”.. قراءة فلسفية في مواجهة اليمين الشعبوي والهويات المتطرفة

أصدر المفكر الفرنسي تييري فابر Thierry Fabre كتابا جديدا بعنوان “فهل نُحرق ابن رشد؟ ما الذي يحدث لنا؟” عن دار ريفنوف، يعالج فيه صعود الخطابات الهوياتية المتطرفة في أوروبا وتزايد استهداف الإسلام والمهاجرين تحت تأثير الشعبوية واليمين المتطرف.

وينبه الكاتب إلى أن ما يروج له بعض الفاعلين السياسيين من تصورات تقصي المسلمين وتنكر إسهاماتهم في الثقافة الأوروبية هو جزء من عملية تزييف متعمدة للتاريخ، تهدف إلى ترسيخ الانقسام وزرع الخوف في المجتمعات الغربية.

ويربط فابر بين تراجع الخطاب العقلاني وعودة الانفعالات الجماعية التي تُغذيها آلة إعلامية وسياسية تفتقر إلى المسؤولية، ويعتبر أن نفي الرافد العربي واليهودي من تكوين الهوية الأوروبية يعد إنكارا صريحا لحقيقة تاريخية موثقة، أسهم فيها مفكرون كبار أمثال ابن رشد ومايمونيد في نقل الفلسفة اليونانية وإغنائها بلغة عربية.

ويدعو الكاتب إلى مواجهة هذا الانحدار بإعادة بناء ميثاق مجتمعي جديد يعترف بالتنوع ويعيد تأسيس مفهوم الانتماء على قاعدة “نحن جميعا من هنا”، لا على ثنائية “نحن” و”هم” التي تفكك المجتمعات وتجهز على فكرة المواطنة الجامعة.

ويحذر فابر من تحول الإسلاموفوبيا إلى سياسة رسمية تغذيها قوانين وممارسات تُمأسس التمييز، ويرى أن الوقت قد حان لتفكيك الأساطير التي تحرك هذه الموجة الجديدة من العداء، والتي تخفي وراءها رفضا أعمق للعدالة الاجتماعية والمساواة.

يراهن الكاتب على استعادة فكر ابن رشد بوصفه جسرا بين العوالم، ونموذجا لفلسفة قادرة على التوفيق بين الإيمان والعقل، وعلى إعادة إنتاج فضاء معرفي يعيد الاعتبار لفكرة العالم المشترك الذي يتجاوز الحدود والهويات المغلقة.

ويؤكد الكتاب أن مقاومة الانغلاق لا تتطلب إنكار الخصوصيات، بل استدعاء الذاكرة المشتركة ومواجهة الخطابات الإقصائية بالحجج والتاريخ والمعنى، مشيرا إلى أن المعركة ضد التطرف اليميني ليست أقل خطرا من مواجهة التطرف الديني.

ينتهي فابر إلى التأكيد على ضرورة الإنصات إلى الغضب الشعبي المتنامي إزاء فشل النماذج النيوليبرالية، ويرى أن مواجهة هذا الوضع لا تكون بتغذية الخوف، بل ببناء مشروع حضاري جديد يعترف بالجميع ويسعى إلى مستقبل عادل وآمن.