فن إدارة الأزمات

دينبريس
2020-06-13T07:49:12+01:00
featuredإبداعات
دينبريس30 أبريل 2020آخر تحديث : السبت 13 يونيو 2020 - 7:49 صباحًا
فن إدارة الأزمات

 جناي - دين بريسمن إعداد : محمد جناي ـ إطار إداري ومتخصص ببعض المجالات الإدارية

وجد بعض الباحثين في مجال إدارة المخاطر والأزمات، أن اصطلاح (الأزمة) هو قديم جداً، تنسب جذوره التاريخية إلى الطب الإغريقي، إذ كانت مفردة (الأزمة) في حينها، تطلق للدلالة على أي تغيير جوهري يحدث في جسم الإنسان، بصورة مفاجئة.

تعرف (الأزمة) على أنها: نقطة تحول مصيرية، في مجرى حدث ما أو عدة أحداث؛ تؤدي بدورها إلى دخول المجتمعات والمنظمات في منعطف جسيم، وهي تتصف إما: بتحسن ملحوظ، أو بتأخر عاصف، كما أنها ترتبط بحيثيات وتداعيات قديمة، لا بد وأن تزول؛ لتحل مكانها حلول ومعالجات؛ تصحبها تغيرات واضحة وملموسة، على الصعيدين الكمي والنوعي.

ويذهب علماء الإدارة إلى أن هناك فرقا بين إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات، حيث يشير المصطلح الأول: إلى الطرق والأساليب العلمية التي تتخذها المؤسسات للسيطرة والتغلب على ما تواجهه من أزمات، من خلال إدارتها بالشكل الأمثل، الذي يضمن نجاحات لاحقة، أو على الأقل يضمن استقرارا للوضع الحالي.

بينما يشير المصطلح الثاني: إلى تلك الإدارات التي تفتعل الأزمات وتوجدها من العدم، إما من أجل التمويه على مشاكلها التي تواجهها، أو إخفاء مشاكل قائمة تهددها، فتختلق أزمات خلف أزمات، وقد تكون كبيرة، من أجل أن تحرف الوضع الذي يهددها إلى مسارات أخرى قد تستفيد منها بشكل أو آخر.
وعليه يمكن إطلاق مفهوم الأزمة على: أنها كل لحظة حاسمة أو لحظة حرجة في تاريخ المنظومة. أو يمكن القول، إنه الوضع، أو الموقف الذي بلغ مرحلة متقدمة من عدم الاستقرار.

ولذا فإن بعض المهتمين بهذا العلم يرون أن أية مشكلة لا تهدد بفناء المنظمة، وتقويض بعض أركانها، فلا يصح أن يطلق عليها أزمة. غالبا ما تنشأ الأزمات عن عدد من العوامل، وقد أوصلها عدد من المراجع إلى أكثر من 12 سببا. يأتي في مقدمتها: سوء الفهم، وهذا يعتبر من أكبر الأسباب، حيث إنه قد لا يكتفي بإنتاج الصراعات بين القيادات، بل إنه يغذيها وينميها. سوء الإدراك والتقدير، وهذا ما وجدناه في أزمة كورونا من قيادات بعض الدول التي لم تدرك عظم الوباء ولم تقدره إلا بعد استفحاله. اليأس، وإشكالية هذا السبب أنه لا يكمن فقط في الاستسلام، بل يتعداه إلى أن يتصرف المسؤول بتصرفات طائشة تفوق كل التصورات. الأخطاء البشرية، التي قد يكون سببها الرئيس الإهمال والتسيب وعدم القدرة على إدارة المنظمة بشكل جيد. تعارض الأطراف أو اختلاف المصالح، وهذا من أخطر أسباب نشوء الأزمات، حيث إن الصراعات الداخلية تعد منبتا رئيسا لإيجاد الأزمات واستدامتها. كما أن هناك مسببات قد تنشأ بسبب وباء، أو بسبب اختلاف دين، أو احتقان تاريخي سببته ترسبات ماضية، أو حتى بسبب ثأر دولي. كما أن هناك أزمات قد تنشأ نتيجة لنظام جديد بدأ بالتشكل ولا يمكن لوسائل القوة أن تسيطر عليه.

وهنا يصدر سؤال رئيس، هل الأزمات لها تصنيفات يمكن أن نتعامل مع كل واحدة بشكل مختلف عن الأخرى؟ والجواب: نعم، لأن الأزمات بطبيعتها لا تأتي على شكل واحد، فقد تصنف الأزمات على أنها متكررة ودورية، وأزمات غير دورية. كما يمكن تصنيفها على أنها أزمات سطحية، أو أزمات عميقة وجوهرية. ومثلما أنه يمكن تصنيف بعض الأزمات بأنها أزمات عنيفة أو هادئة. فيمكن أيضا التصنيف أن يكون على مستوى الدولة ككل، أو على أجزاء منها. وبعض الأحيان قد تصنف بعض الأزمات من حيث علاقتها بالعالم الخارجي، فهناك أزمات مستوردة من الخارج، وهناك أزمات يمكن تصديرها للخارج، وبالتأكيد هناك أزمات محلية لا يمكن تصديرها وهي مرتبطة بحدود الدولة أو المنظمة. أما من حيث الإحساس فهناك أزمات علنية يمكن الإحساس بها، وهناك أزمات خفية وسرية. وآخر تصنيف فهو ذلك التصنيف الشعوري الذي يرى أن هناك أزمات محسوسة وملموسة، وهناك أزمات معنوية، وأيضا هناك بعض الأزمات التي تجمع ما بين هذين الأمرين.

وبعد أن عرفنا مفهوم الأزمات، وأدركنا أسباب ومصادر نشأتها، وكذلك عرفنا تصنيفاتها، هل يجب علينا أن نشخصها وندرسها؟ الجواب، نعم، لأن التشخيص هو أول الطرق لمعرفة آليات معالجة المشكلة. وقد وضعت بعض المراجع سبعة مناهج للتشخيص: الأول: المنهج التحليلي، وهو المنهج الذي يحلل الأزمة من ناحية المظاهر والملامح والنتائج، وبالتالي يتوصل إلى معرفة الأبعاد والجوانب والأطراف الفاعلة فيها. الثاني: المنهج التاريخي، وهو المنهج الذي يبحث في تاريخ الأزمة وأصولها وجذورها، وذلك تمهيدا للبحث عن الحلول الجذرية لها. الثالث: منهج النظم الأزموية، والذي يرى أن لكل أزمة مدخلات ونظام تشغيل ومخرجات وتغذية راجعة، وبتحديد هذه المراحل الأربع، يدرك صاحب القرار مع أي جزء يمكن له أن ينجح في التهدئة. الرابع: المنهج البيئي، وهو المنهج الذي يرى أهمية تحليل القوى البيئية المؤثرة في صنع الأزمة. الخامس: منهج دراسة الحالة، وهو المنهج الذي يرى أهمية دراسة كل أزمة كحالة مستقلة عن الأخرى. السادس، منهج الدارسة المقارنة، وهو ذلك المنهج الذي يهتم بدراسة الأزمات من ناحية المقارنة، وأوجه الاختلاف، وكذلك تحديد الفروق التي تميز أزمة عن أزمة. السابع، منهج الدراسات المتكاملة، وهو المنهج الشامل الذي يرتكز على كل المناهج السابقة فهو يحللها، ويتتبعها تاريخيا، ويعرف نظمها الداخلية، وكذلك يعرف البيئة التي نشأت فيها، ثم يدرسها كحالة فردية، ثم كحالة مقارنة مع أزمات أخرى..

ومهما تنوعت الأزمات، إلّا أن درجة تمكن الإداري من إتقانه لهذه المهارات ستحدد بالطبع كيفية نجاحه وسيطرته على الموقف من عدمه. وقبل أن ندخل في الحديث عن هذه المهارات، أود القول: إن هناك الكثير من المهارات، ولكن المهارات أدناه، هي أبرز ما جاء ت به أدبيات هذا العلم:

وقبل الدخول في كل تلك التفاصيل. أود أن أرسل تحية تقدير وإجلال لوزير الصحة، ولفريق لجنة متابعة مستجدات فيروس كورونا، الذين هم اليوم قيادة خلية الأزمة التي تقاتل من أجل الحفاظ على مكتسبات هذا الوطن. كذلك أود القول: إن قيادة المملكة في أزمة كورونا وعلى رأسها وزارة الصحة بكل طواقمها، أثبتت أنها قيادة على قدر عال من الموثوقية والصدق والكفاءة والفعالية، وهي بقراراتها الرشيقة والقوية التي اتخذتها في مكافحة هذه الجائحة، تثبت أنها قادرة على إدارة الأزمات بكل تمكن واقتدار.

المهارة الأولى: مواجهة الضغوط، الضغط كما تقول الدراسات الإدارية نوعين: (ضغط إيجابي: ضغط يدفعنا للعمل) و (ضغط سلبي: ضغط تتضح آثاره السلبية على الأفراد مثل: سرعة الغضب، والشعور بالتشاؤم، والهروب من المواجهة، وكثرة الجدل والاعتراض). ويتضح من ذلك أن الضغط الإيجابي هو الذي يجب أن يدور الإداري في فلكه، أما إذا انجرف في الضغط السلبي، فإنه هنا قد بدأ في سلوك طريقه إلى الانهزام والانسحاق تحت تلك الأزمة.

المهارة الثانية: الاتصال، يعتقد البعض أن المسؤول الأول هو من يجب عليه أن يفهم آليات الاتصال من (رسالة ومستقبل ومرسل ووسيلة)، وهذا بلا شك أمر خاطئ، فجميع أفراد المنظمة التي تمر بالأزمة، لا بد أن يدركوا أهمية هذه المهارة. ولو تخيلت نفسك تعمل ضمن فريق أزمة خاصة بجهة عملك، وصدرت منك رسالة ذات مضمون خاطئ للجمهور، فإنك هنا تعمق المشكلة ولا تساهم في حلها. لذا يجب على كل الفريق الأزموي أن يدرك أهمية هذه المهارة ويعمل على مراقبتها، وإذا وُجد أحد أفراد الفريق الذي لا يتصف بمهارات تواصل جيدة، فيتوجب إبعاده.

المهارة الثالثة: العمل مع فريق، دور المدير هنا دور محوري، وعليه الارتكاز في الأزمات على شخصيته، وليس على سلطته. فالمديرون الذين يتعاملون مع فرقهم الأزموية بروح سلطة المنصب، سيكونون عرضة لأن يجعلوا الأزمات تزداد قوة وضربا على مؤسساتهم. أما المديرون الذين يتعاملون مع الفريق بالتشجيع والتقدير والإشعار بالأهمية والاستماع للآراء ووجهات النظر، فبالتأكيد سيبثون الحماس والتفاؤل والثقة، وبالتالي سيجتازون الأزمات بأقل الخسائر الممكنة.

المهارة الرابعة: التخطيط الإستراتيجي والتحليل الإبداعي، كما يُقال بأن إدارة الأزمات من ضمن عائلة التخطيط الإستراتيجي، لذلك فإن العاملين في فريق الأزمة وعلى الأخص القادة، يتوجب أن تكون مهارة تحليل المعلومات لديهم جيدة ويقظة، وهذا لوحده لا يكفي، بل بعد التحليل يتوجب خلط ما تنتجه عقولهم وعقول فرقهم من احتمالات مختلفة، ومن ثم بناء سيناريوهات متعددة، وبالتالي فإنهم سيصلون لتنويعات أوسع للحلول، وكذلك سيوجدون مساحة أشمل من البدائل المتنوعة.

المهارة الخامسة: إدارة الوقت، الإداريون الناجحون، هم أولئك الذين يعملون على خط الأزمة، وعيونهم متعلقة بساعة الحائط؛ لأن الوقت في الأزمة يعد عاملاً حيوياً في إنقاذ المؤسسة من خطر الهلاك والتلاشي، بل هناك ما هو أبعد من ذلك، إذ يرى بعض متخصصي إدارة الأزمات أن إتقان الإداري لمهارة الوقت، ومن ثم اتخاذه للقرارات الاستباقية، قد يحمي المؤسسات من الوقوع في كثير من الأزمات
‏‎المصدر :المنظمة العربية للتنمية الإدارية ـ ‎الجامعة العربية

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.