خديجة منصور
.. يقدم بوافنتورا دي سوسا سانتوس في كتابه لو كان الإله ناشطا حقوقيا رؤية نقدية عميقة حول استغلال مفهوم حقوق الإنسان في سياقات استعمارية وحداثية، يبرز المؤلف كيف تحولت هذه الحقوق التي بدأت كدعوة إلى المساواة والحرية، إلى أداة للتلاعب السياسي والاقتصادي، مشيرا إلى الحاجة لتفكيك الروايات المعرفية السائدة وإعادة الاعتبار للأفكار والرؤى التي تنبع من الشعوب المضطهدة والمهمشة.
يرى سانتوس أن النمط السلطوي الذي قدمته العديد من الأديان حول الإله انعكس على التصورات المجتمعية والسياسية للحقوق، بدلا من أن تكون حقوق الإنسان مناهضة للهيمنة أصبحت في كثير من الأحيان تستخدم كوسيلة لتبرير أشكال جديدة من الاستبداد سواء من قبل النخب الاقتصادية أو القوى السياسية. في ظل هذا الواقع يدعو المؤلف إلى إعادة صياغة المفهوم بعيدا عن الهيمنة الليبرالية وتمدد الأسواق بما يسمح للأفراد والمجتمعات ببناء حياتهم وفقا لرؤاهم المستقلة، لكن هذه الدعوة تصطدم بمعوقات تتعلق بالبنية العالمية القائمة على التفاوتات الاقتصادية والسياسية.
ينسجم طرح سانتوس مع أفكار المفكر المغربي المرحوم محمد وقيدي في كتابه التوازن المختل، حيث يشير وقيدي إلى أن الثورات الكبرى التي رفعت شعارات حقوق الإنسان منذ الثورة الفرنسية ساهمت في تشكيل عالم جديد من الاستعمار المقنع. ويرى أن هذه المبادئ التحررية التي أطلق عليها شعارات المساواة والعدالة، تحولت إلى أدوات لتكريس الهيمنة على شعوب الجنوب العالمي. لقد عمقت القوى الاستعمارية من خلال استغلال حقوق الإنسان الهوة بين الشمال والجنوب، مما أدى إلى إحداث خلل كبير في توازن العالم خاصة في القارتين الإفريقية والآسيوية.
يتفق كلا المؤلفين على أن مفهوم حقوق الإنسان يعاني من أزمة جوهرية فمن جهة، هو مفهوم يركز على الفردانية ويهيمن عليه الإطار المرجعي الغربي ومن جهة أخرى، تتبنى بعض الأطروحات المناهضة له مقاربات جماعية لا تزال في كثير من الأحيان محدودة الأثر ،يشير سانتوس إلى أن الغرب استخدم حقوق الإنسان لتبرير انتهاكات صارخة لحقوق أخرى أكثر أساسية، مما جعل هذا المفهوم سطحيا وغير قادر على معالجة القضايا الحقيقية التي تواجه المجتمعات المهمشة.
إن الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان تبدو ملحة أكثر من أي وقت مضى فبدلا من أن تظل هذه الحقوق أسيرة للسياقات الاستعمارية والحداثية، يجب أن تصبح أداة حقيقية للعدالة والتحرر يمكن أن يتحقق ذلك من خلال تجاوز الإبستمولوجيا المهيمنة التي فرضها الغرب وإتاحة الفرصة للشعوب والمجتمعات المهمشة لصياغة رؤاها الخاصة للعدالة والمساواة، إن كتابي لو كان الإله ناشطا حقوقيا والتوازن المختل ليسا مجرد نقد للنظم المعرفية والسياسية القائمة، بل يمثلان دعوة جادة لإعادة التفكير في الأسس التي تقوم عليها مفاهيمنا عن الحقوق، والتحدي الأكبر اليوم هو إيجاد صيغة توازن حقيقية بين الحقوق الفردية والجماعية، وبين التحرر من الهيمنة وبين بناء مجتمعات عادلة، وهو ما يتطلب جهودا جادة ومستمرة للتأمل والنقد والمراجعة….
Source : https://dinpresse.net/?p=21338