محمد عسيلة، أستاذ محاضر بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا ودويسبورغ ورئيس جمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب
أي فصل للكلام عندما يرتفع البيان الذي هو حجة القائل و المتكلم للتبليغ و الاعلام و الإفهام؟
على أي واقع نتحدث عندما تعجز لغة الفقه السجينة في مدارات بعيدة و منابر منفصلة عن الواقع على أن تكون ترجمان نفسي وعاطفي و عقلي و تربوي لمسلمي المهجر و منهم مغاربة العالم من الجيل الثالث و الرابع؟
ما أوجه التفاعل بين لغة الفقه و الواقع المعيش عندما لا تلبي هذه اللغة وظيفتها البيانية و التواصلية و على ان تكون وعاء فكريا و مفاهيميا و بحثيا لهموم هذا المسلم الذي يتأرجح بين الدال و المدلول للسانه “الأعجمي” البعيد عن لسان و لغة العرب العاربة لأهل قحطان بن سام بن نوح عليهم السلام جميعا؟
ما هي و بلغة ابن جني (ت 391 هـ) الأغراض غير المتجانسة التي يسعى لها هذا الفقه الأروربي الذي يتكلم لغة مختلفة عن القوم المرسَل اليهم او الذين استقطبوه حين تكون هذه اللغة كظاهرة اجتماعية عبارة عن “أصوات يعبِّر بها كلُّ قوم عن أغراضهم” و حسب ابن خلدون الذي يقول في المقدمة في حد اللغة بأنها في المتعارف هي عبارة المتكلِّم عن مقصوده، وتلك العبارة فعلٌ لسانيٌّ ناشئ عن القصد بإفادة الكلام، فلا بد أن تصير ملَكة متقررة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان، وهو في كلِّ أمة بحسب اصطلاحاتهم”!؟
نعم صدقت يا ابن خلدون: و هو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم!
وهنا الانفصام الجلي بين الأمة (مسلمي الديار الغربية) و لغة الفقه التي رغم عربيتنا لا تعرب و لا تفصح عن حلول واقعية و نفعية لانتفاء المقدرة على التواصل المفضي لفائدة يحسن السكوت عليها كما جاء في الألفية تعريفا للكلام و الكلمة و الكلم.
فإرسال الرسل يفترض إتقان اللسان الذي لا أريد أن أُمَفصلَ – إن جاز التعبير- فيه مبنىً و معنىً و دلالة و هل أعني به اللغة أم الكلام المفيد “كاستقم” حسب النحاة أو اللسان كما ورد في القرآن الكريم في سورة ابراهيم “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.”
سوف لن أتحدث في موضوعي هذا الذي يروم معالجة إشكالية مفاهيمية عن التفاصيل المعجمية و الدلالية التي حددت معاني الكلام و اللسان و الكلام و اللغة عند علماء اللغة و البلاغة و العروض و النحو، بل سألتزم البقاء في دائرتي الفقه كمستهلَك داخل البنية التواصلية اليومية لمسلمي الغرب و عن واقع أوروبي يحتضن هؤلاء المسلمين وهذا الفقه كمنتوج.
إن أبسط المعاني اللغوية التي تعرف الفقه هي ارتباط دلالته بالفهم و الإفهام و الإحاطة بالشيء إدراكا و عقلا (عقل الدابة) و معرفة المراد من الشيء. هذا تدل عليها الآية الكريمة: “ولكن لا تفقهون تسبيحهم”.
هناك أصوات تنادي جهارا بأن هناك مؤامرات و محاولات تغريب المسلمين في المهجر (رغم تجذرنا نحن في هذا المهجر و أصبحنا نشكل جزءً مهيكلا في بنيات فكره بشكل واعٍ مبني على هوية متزنة و منسجمة مع واقعها) أقول هناك من ينادي بوجود محاولات تغريب في هذه الديار لنا! لك و حسب اعتقادي و تصوري المتواضع أن محاولات التغريب تأتي من الداخل و حسب تحليلي السابق من فقه بلسان عربي لكن لدى متلقيه بلسان “عجمي” لأنه لا يلمس و لا يمت بصلة إلى ملامسة أغراضه و لا يستعمل مصطلحاته و لا يفي بالبيان و التبيين. و هذا يؤدي إلى نفور المتلقي والسائل الذي يحمل أسئلة وجودية و معرفية من أجل البحث عن الذات و عن عقل فاعل و مدبر في سياق مدني تعاقدي. و هذه درجة من درجات التغريب تبدأ مراحلها الأولى في عقر الدار.
Source : https://dinpresse.net/?p=7088