عبده حقي
في غضون عشرين عامًا ، غزت الرقمية حياتنا وممارساتنا اليومية ، إلى درجة أنه لم يعد بإمكاننا الاستغناء عن الهاتف المحمول أو التابليت والحاسوب ، على سبيل المثال لقراءة المجلات والجرائد التي نفضلها عبر الإنترنت.
وبالتالي، فإن هذا المجتمع التكنولوجي الجديد باتت تحكمه خوارزميات يمكنها توقع سلوكاتنا و التأثير فيها . ومن دون أن ندرك ذلك ، فإننا نقع كل يوم بل كل لحظة فريسة لآلة قد تنتهك حرية إراداتنا .
الكاتب رونو فيني يقدم في كتابه الأخير بعنوان “لامباس ” وهو دراسة في التناقضات الأساسية للرأسمالية الحديثة وطرق التغلب عليها ، يقدم بعض الأساليب المعتمدة من قبل عمالقة الإنترنت لتشجيعنا على الشراء والاستهلاك .
إن جيل اليوم ، المعروف باسم ” المواطنون الرقميون ” أو” الجيل الإلكتروني” الذي أطلق عليه ميشيل سيريس لقب “العلبة الصغيرة” لأن أصابعهم دائمة الحركة باستمرار على هواتفهم الذكية ، قد وُلدوا بهاتف ذكي أو جهاز لوحي رقمي في يد وشاشات أمام العين . إنه عصر في طور التحور وطفرة مدفوعة بالانتقاء الاصطناعي وعصر امتزجت فيه التقنيات الرقمية والبشرية في فضاء من التعايش.
كل شخص أصبح غارقا في تدفق الواقع الرقمي وغير مبال بالآخرين ، مما يفسر عدم اهتمامه بشؤونه المجتمعية . إنه يعيش في الوقت الحالي وهو راضٍ كل الرضا البيئي بالالتزامات المجزأة لنظرية الجنس أوالحيوانات. باختصار إنه تفتيت للحس المدني الجماعي .
إن ديكتاتورية الفراغ هذه تكتفي بإمدادنا السريع بالمنتوجات غير الأساسية. لقد أصبح رمز هذه الأوقات النرجسية هو “سيلفي” . مثل النرجس الأسطوري المفتون بصورته والذي يعلم العالم بأسره في الوقت الحقيقي بما يفعله.
إن إمكانات المهرجانات والمعارض الرقمية الاستهلاكية هي مفتاح النظام الرأسمالي التكنولوجي الذي ما يهمه أساسا هو أن يكتشف تلقائيًا الإمكانات والأذواق والرغبات أفضل بكثير منا .
لقد صارت تقنيات التنميط تخبرنا بما يجب علينا القيام به . مثلا في المجال العسكري والأمني هو الإعدام بواسطة طائرات مسيرة أو الاعتقالات الاستباقية لمقاتلين محتملين أو إرهابيين.
في المجال التجاري لم يعد الأمر يتعلق بتلبية الطلب بقدر ما يتعلق بتوقع ما يرغب المستهلك في شرائه . لقد أصبح من النادر بشكل متزايد أن يتعرض الفرد لأشياء لم تكن مخصصة له لتجربة مساحة عامة مشتركة.
لم يعد يتم تحديد المواطنين وفقًا للفئات التي تم اختبارها اجتماعيًا والتي يمكنهم من خلالها التعرف على أنفسهم والتي من خلالها أيضا يمكنهم تأكيد المصالح الجماعية ؛ أنها باتت تستند إلى ملفات تعريف الاستهلاك فقط .
لم يتبق لنا ما يمكن أن نقوله لأن كل شيء قد “سبق قوله”. إن البيانات تتحدث عن نفسها. ما يهم منصات التجارة الإلكترونية على سبيل المثال هو تجاوز العمليات التي نبني من خلالها ونراجع خياراتنا الاستهلاكية لندخل مباشرة في دوافعنا القادمة وبالتالي إحداث تحولنا إلى عملية الشراء ، إذا أمكن عن طريق تقليص حرية إرادتنا.
ـــــــــــــــ
للإتصال بالكاتب
ueimoroccan@gmail.com
abdouhakki@gmail.com
المصدر : https://dinpresse.net/?p=18198