5 أغسطس 2025 / 06:24

عودة “القاعدة” إلى مشهد الهجمات المنسقة في بوركينا فاسو

دين بريس
تسلّط الهجمات الأخيرة التي استهدفت وحدة عسكرية وقافلة مساعدات إنسانية شمال شرق بوركينا فاسو الضوء من جديد على خطورة التهديدات الأمنية المتفاقمة في منطقة الساحل، وعلى تنامي نفوذ الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة، في ظل التراجع المستمر لقدرات الدولة وفشلها في استعادة السيطرة على المناطق الريفية والنائية.

وبحسب ما أفادت به مصادر أمنية محلية، فقد وقع الهجوم الأول يوم الإثنين 28 يوليوز الجاري، واستهدف وحدة للجيش ومجموعة من متطوعي الدفاع الذاتي في قرية دارغو، وأسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50 شخصا.

أما الهجوم الثاني، فاستهدف قافلة إنسانية على الطريق الرابط بين مدينتي دوري وغوروم-غوروم، وخلّف حوالي 20 قتيلا من المدنيين، بينهم سائقو شاحنات وتلاميذ، وفق ما أكدته شركات نقل في المنطقة وشهود عيان.

وأعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مسؤوليتها عن الهجومين، في خطوة تعكس تصاعد هجماتها وتكتيكها الميداني خلال الأشهر الأخيرة، خصوصا في شمال وشرق بوركينا فاسو، حيث تواجه الدولة صعوبات متزايدة في بسط سلطتها.

وتندرج هذه العمليات ضمن استراتيجية تستهدف البنية التحتية العسكرية والمدنية في آن واحد، ما يكشف عن توجه الجماعة إلى تقويض كل أدوات الاستقرار داخل البلاد، واستهداف الممرات الإنسانية بهدف قطع الإمدادات عن السكان وعزل المجتمعات المحلية.

ويحمل استهداف قوافل المساعدات دلالة رمزية واستراتيجية، إذ تسعى الجماعات المتطرفة إلى السيطرة على المجال النفسي والاجتماعي للسكان عبر محاصرتهم ومنع الدعم الدولي عنهم، في ظل غياب فعالية مؤسسات الدولة المحلية.

ويرى مراقبون أن غياب الرد الحكومي السريع يعكس حجم الإرباك والتشتت الذي تعانيه السلطات في مواجهة هجمات منسقة تتسم بالجرأة والقدرة على التخطيط، وهو ما يزيد من تآكل الثقة بين الدولة والمجتمعات المتضررة، ويعزز شعور الهشاشة في صفوف المدنيين.

ومنذ سنة 2015، تواجه بوركينا فاسو تصاعدا غير مسبوق في هجمات الجماعات الجهادية، وقد خلّف هذا الوضع أزيد من مليوني نازح داخلي، كما توقفت آلاف المؤسسات التعليمية والصحية عن العمل، وفق تقارير أممية.

ويمثل الهجوم المزدوج الأخير تحولا في تكتيكات الجماعة، إذ يظهر أنها باتت تتحكم في زمام المبادرة، وتستهدف في توقيت واحد عناصر الجيش والمدنيين، بما يعكس رغبة في فرض واقع جديد يعكس حالة من “الحكم بالقوة” في غياب الدولة.

ويأتي هذا التصعيد في سياق إقليمي متوتر، يتميز بانقلابات متكررة وانسحاب متدرج للقوات الأجنبية من المنطقة، وهو ما فتح المجال أمام الجماعات المسلحة للتوسع والتمدد، في غياب استراتيجية منسقة للردع والاستقرار.

ومع استمرار غياب استجابة إقليمية فعالة أو دعم دولي كافٍ، تبقى بوركينا فاسو مرشحة لتكون مرتكزًا جديدًا لتنظيم القاعدة في منطقة غرب إفريقيا، ومسرحًا لمزيد من التدهور الأمني الذي قد يمتد إلى دول الجوار.