علاقة “القيم الأخلاقية” بظاهرة الغش في الإمتحانات

ذ محمد جناي
آراء ومواقف
ذ محمد جناي15 يونيو 2022آخر تحديث : الأربعاء 15 يونيو 2022 - 8:36 صباحًا
علاقة “القيم الأخلاقية” بظاهرة الغش في الإمتحانات

ذ. محمد جناي
تعد مشكلة الغش في الامتحان من المشاكل الشائعة التي تعاني منها كل المؤسسات التربوية دون استثناء؛ بالرغم من الجهود المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الوصية على القطاع للحد منها ، و التي وضعت في هذا الشأن مطبوعا، عبارة عن التزام، يوقعه الولي الشرعي للتلميذ، يلتزم من خلاله باحترام القانون رقم 13.02 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية.

الغش عادة سلوكية سيئة تتمثل في سعي التلميذ للنجاح دون بذل جهد أو استحقاق معا ، ولهذا اعتبرت من أخطر الظواهر التربوية التي تواجهها الأنظمة التربوية و التي ألحقت الضرر بالتلميذ والأستاذ على حد سواء ،فتؤدي إلى التشكيك في مصداقية الشهادات ومصداقية النظام التعليمي بشكل عام ، ويبدأ هذا الغش في الامتحانات وينتهي إلى كل مناحي الحياة وانطلاقا من هذا نطرح هذا التساؤل التالي: ما علاقة القيم الأخلاقية بظاهرة الغش في الامتحانات لدى التلميذ ؟

تعد القيم من المواضيع المهمة في حياة الأفراد، وهي إحدى المكونات الأساسية للشخصية، كما أنها تؤثر في سلوك الأفراد، واتجاهاتهم ، وعلاقاتهم داخل المنظمات وخارجها، ولذلك نالت هذه الأخيرة وقت وافرا من البحث والدراسة في المجالات العلمية المختلفة مثل علم النفس ، علم الاجتماع، علم الفلسفة والاقتصاد والأنثربولوجيا وغيرها؛ لأن مجتمعات اليوم أصبحت تعاني من مشكلات كثيرة هي في جوهرها أخلاقية.

بينما تعرف القيم الأخلاقية؛ كمنظومة قيم خلقية بأنها ” موجهات للسلوك نحو الأهداف والقواعد والمثل العليا التي تلقى قبولا مرغوبا من المجتمع” وأما في التصور الإسلامي فتعرف على أنها ” مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقاته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه” ، وعليه يمكن القول بأن القيم الأخلاقية هي عبارة عن مبادئ وأحكام وضوابط للسلوك الإنساني حسب ما يكون سائدا في مجتمع ما من عرف وقوانين صادرة من سلطة عليا روحية أي من الشرع.

فتقوم منظومة القيم الأخلاقية على مبدأ تعاونية تعزيز القيم، فتنمية القيم وغرسها مسؤولية يشارك فيها جميع أفراد المجتمع ومؤسساته ابتداءا بالفرد المسؤول عن أعماله وتصرفاته وإنتهاءا بمؤسسات المجتمع كافة وتعد الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام أهم تلك المؤسسات وأبلغها أثرا في تنمية القيم الأخلاقية وتعزيزها .

ولقد تعددت النظريات المفسرة للقيم الأخلاقية بتعدد روادها واتجاهاتهم الفكرية وكذلك لأهمية المنظومة القيمية الأخلاقية للفرد والمجتمع ومن أبرزها النظرية الإسلامية والتي تنطلق من أن النفس الإنسانية قد عرفت في تكوينها الأول الخير والشر لقوله تعالى :” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها” ، والأخلاق عند المسلمين تتناسق بين مصالح كل من الفرد والمجتمع دون أن يفتقد أحد منهما شخصيته وأن أهم مبادئها هو مبدأ الواجب ، الرحمة ، الحرية، المسؤولية ، والصدق والتسابق على الخير والفضيلة والاعتدال والالتزام بالسلوك الخير وترك السلوك الضار ، فهي إذن أخلاق كمالية ، وعليه فمصدر الأخلاق هو القرآن والسنة التي تسعى إلى إلزام الفرد بالسعي للتطهير والسمو الأخلاقي دون جبر أو قسر .

إن الشعور بالمسؤولية الأخلاقية عند المتعلم يجعل منه يتحمل جميع الواجبات الموكل إليه بكل مسؤولية إلا أن تراجع الشعور بهذه المسؤولية لدى التلميذ تدفعه للقيام بعملية الغش في الامتحان، فالتغيب عن الحصص الدراسية كمثال يجعل المتعلم غير قادر على مواكبة الدروس المقررة ، وهذا ما يدفع به إلى الغش والاعتماد على الزملاء الذين كانوا يحضرون هذه الدروس المقررة .

فالغش في الامتحانات وكما سبق سلوك انحرافي يخل بركن التقييم ، إذ يعد الغش في الامتحانات بمثابة تزييف لنتائج التقييم ، ويتضح لنا أن وجود خلل في منظومة القيم الأخلاقية لدى المتعلم هو الذي يؤدي به إلى ممارسة الغش في الامتحان كسلوك مذموم يرفضه العقل والقانون والدين والمجتمع .

وأما حكم الغش في الامتحانات فلا يخرج عن الحكم العام للغش، لأن الإسلام قد حرم الغش والخداع والتدليس والتزوير بكل صوره وأشكاله، سواء في البيع والشراء أو في غيرها من أنواع المعاملات الإنسانية الأخرى، لما ينتج عن ذلك من آثار سلبية ومفاسد مهلكة، كالظلم وأكل أموال الناس بالباطل…، لكن الغش في الامتحان يبقى أعظم خطرا وجرما من الغش في المعاملات الأخرى؛ لأنه يؤدي إلى إفساد العنصر البشري الذي يعتبر اللبنة الأساس لبناء الأمم ونهضتها، أو تخلفها وسقوطها، ومن هنا كان الاهتمام الجيد ببناء الفرد الصادق الأمين والمسؤول ـ منذ البداية ـ أساسا لبناء مجتمع متين راسخ الأركان.

وعليه فغرس القيم الروحية الأخلاقية في نفوس المتعلمين هي أهم الحلول التي تحد من الغش وذلك من خلال توضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومع القيم الأخلاقية التي يحملها الإنسان الصالح وذلك يمكن أن يكون من خلال الإعلانات والملصقات أو بالقيام بندوات هادفة تحث على الكف من هذا السلوك المشين والسيء والذي يجعل من صاحبه إنسان فاشل وفاسد أخلاقيا.

ومن خلال ما سبق تبين لنا أن الغش في الامتحانات، بمثابة نوع من التحايل والخداع والسرقة يستعمله المتعلم أثناء تأديته للامتحان ، وذلك للإجابة على الأسئلة للوصول إلى النجاح المزيف ، هذا السلوك المرضي الذي يمس بمصداقية التعليم ويتعدى إلى ضرب الأهداف والقيم التي يجسدها الدين الإسلامي والفطرة الإنسانية ، والذي لا تقره العادات ولا التقاليد الاجتماعية .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.