“عسيلة”: نحتاج إلى تصورات منهجية لتسويق نموذجنا التنموي الديني والثقافي

عمر العمري
2019-12-02T13:21:35+01:00
featuredحوارات
عمر العمري2 ديسمبر 2019آخر تحديث : الإثنين 2 ديسمبر 2019 - 1:21 مساءً
“عسيلة”: نحتاج إلى تصورات منهجية لتسويق نموذجنا التنموي الديني والثقافي

أجرى موقع “دين بريس” حوارا مع “محمد عسيلة”، أحد الأطر المغاربة الناجحة في بلاد المهجر وبالخصوص في ألمانيا. يعمل أستاذا محاضرا بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا وبالمدرسة العليا للوظيفة العمومية (قسم الكفاءات) بدويسبوغ. ويشتغل أيضا مستشارا ثقافيا واجتماعيا، ومحاضرا لدى عدة مؤسسات في مواضيع الاندماج والهوية والانتماء وقضايا تهم التطرف والمجتمع والتعامل مع الاختلاف وخلق علاقات تشاركية مع المساجد. وهو عضو المجلس الأعلى للمسلمين ويمثله في المجلس التنسيقي الجامعي بكلية “بادربون” لتزكية البرامج الجامعية واختيار الأساتذة الذين يدرسون العلوم الإسلامية.
تحدث “محمد عسيلة” في هذا الحوار عن مجموعة من القضايا تخص مشاكل الاندماج بأرض المهجر، والشأن الدين والتدين وتعليم اللغة العربية بألمانيا، والتطرف والإسلاموفوبيا المتصاعدة في الدول الغربية. وطالب في هذا الحوار بألا تبقى البعثات الدينية للوعظ والإرشاد مناسباتية مرتبطة بشهر رمضان، داعيا إلى خلق منابر قارة في ألمانيا بتعاون مع المجالس الوصية والوزارات المكلفة بهذا الملف، مشيرا إلى أن “مغاربة العالم في هذا البلد ينفقون الغالي والنفيس للحفاظ على مغربيتهم وعلى إنتمائهم لألمانيا بصفتهم مواطنين ألمان”..
نص الحوار:

يعتبر محمد عسيلة من الوجوه المعروفة في ألمانيا، ومن الأطر المهاجرة التي نجحت في فرض ذاتها والاندماج في المهجر، فماهي قصة هذا النجاح؟
أولًا أشكركم على استضافتكم الكريمة وسعيد جدا أن تكون لنا منابر جادة مثل منبركم والذي يخصص مساحة لمغاربة العالم للتعبير عن تجاربهم وعن مكابداتهم في تحقيق سفارة الديبلوماسية الثقافية الموازية. بهذا يتحقق التواصل والحوار وتُربَط الأواصر وتُخلَق الجسور.
ردّاً عن سؤالكم قد لا نتحدث عن قصة نجاح بامتياز بقدر ما قد نتحدث عن محاولة تحقيق ذات حاملة لهواجس ومنتظرات ورؤى، ذات ثقافية لم تُرِد لنفسها أن تبقى حبيسة الاستهلاك والقيام بردود الأفعال، بل أن تدخل في مغامرة الجدل والتدافع المسطر في القرآن الكريم كواقع إنساني، تدافع مع فكر إنساني ألماني معروف بجديته ومعروف بتكويناته التاريخية والفلسفية ومعروف بالتزاماته وترسانته الحقوقية والإنسانية التي تعطينا نحن “كآخر غير أوروبي” وكدخيل منذ أن تطأ أرضه مساحة محفوظة بالدستور وبالقوانين لتمارس وطنيتك في إطار تعاقدات اجتماعية ومدنية. تحقيق هذه الذات لها مرجعياتها في المغرب ومستنداتها على دين وتدين وسطي له منهجية لا تتعارض البتة مع ما نتدافع من أجله في هذه الديار لتحقيق الأمن وتحقيق الانسجام والعيش المشترك.. بهذا أرى النجاح يكمن في كيفية خلق هذا الترابط بين القيم الانسانية والكليات الكبرى وأن تكون لها سفيرا ناجحا.
لهذا يبقى الحديث عن النجاح حديثا نسبيا لأن الاعتراف بوجوده قد يدفعنا للاستكانة والاسترخاء. ولهذا أقول إن النجاح مرتبط بحالة ومسار ديناميكي، عمودي وأفقي، متعدد الأبعاد ومحكوم دائما بوقفات للتأمل والمحاسبة و التقييم. إذا حكمت على تجربتي بالنجاح أعزي ذلك الى تربيتي في وسط أسري ديني منفتح، إلى تكويني المدرسي والجامعي والأكاديمي في وطني الذي منح لي هذه الحمولة الفكرية والثقافية وألمانيا التي تفتح الأبواب على مصراعيها للتكوين المتستر وإلى سهري على تحقيق ثقة معاملاتية مع المؤسسات الألمانية ومع إخواني مغاربة العالم: علاقة مطبوعة بالالتزام وبالصدق وبالمقارعة و بالحوار.

على عكس تجربتكم هناك بالفعل كثير من المهاجرين يجدون صعوبات كثيرة في الاندماج في حضارة الغرب، وبصفتكم خبيرا في هذا الموضوع، ما هو المشكل أو المشاكل بالضبط؟
إشكالية الاندماج من عدمه إشكالية معقدة وأسالت مدادًا لأعتى المؤسسات البحثية ولوكالات التمحيص واللوجستيك البشري وللمفكرين السوسيولوجيين والمحللين النفسيين واللغويين. بهذا نرى أن معالجة موضوع الاندماج وإشكالياته قد نتعرض لها بمقاربة لغوية أو سوسيولوجية أو أنتربولوجية أو نفسية أو ثقافية (دينية).
الاندماج في اعتقادي هو مسار مشترك بين “الذين يجب عليهم الاندماج” و”الذين يريدون أن يُدمجوا”، مسار واعي ويتضمن مقاصد و يحتاج الى تحديد مفاهيمي مشترك: ماذا نعني إذن بالاندماج؟ التذويب؟ الاحتضان؟ الإبقاء على الآخر في كلياته وفتح المجال أمامه ليكون مساهمًا ومتاحًا وسعيدا؟ هناك اصطلاح جديد أصبح مطروحًا تعدى الاندماج integration الى الاحتضان inclusion، أحاول ترجمته شخصيًا إلى الاحتضان وهو مفهوم مرتبط بإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة!! في الأنساق التربوية والاجتماعية والوظيفية/العملية في ألمانيا. نعم، أعتبر أن عملية الاندماج تتطلب كما أشير في محاضراتي إلى رؤية الطائر أو الصقر (من الأعلى الى الأسفل) والسلحفاة (من الأسفل الى الأعلى) للوقوف على الاحتياجات الخاصة والتي ليست بالضرورة احتياجات عجز بقدر ما هي احتياجات “فهم” و تفهم و اعتراف وتحمل وتواصل ونزول من الأبراج العاجية للتحاور مع الآخر المختلف، حوار الند للند دون تقزيم لهويته ومرجعياته..
لهذا يبقى فشل الاندماج للفئة التي ذكرتم ليس فشلًا مرتبطًا بذواتهم: هو فشل مشترك بين كل الفرقاء؛ فريق محافظ على هويته يخاف أي تدافع كي لا يتيه في هذه العولمة الجارفة وفريق يطبع الخصوصيات المختلفة للآخر بالعداء والتخويف. وفي هذا السياق أرى أن الخوف أكبر عدو للتواصل الإنساني: الخوف المجاني من الآخر لأن هذا يشجع إسدالات نمطية وتصديق أحكامها المسبقة. فماذا تنتظر من مواطن مسلم يتم اتهامه يوميا بأنه يشكل خطرًا على المنظومة الإنسانية؟ خطرًا على المجتمع؟ ماذا تنتظر من أجنبي تتم مساءلته يوميا متى ستعود إلى وطنك؟ ماذا تنتظر من مواطن أجنبي يعيش الإقصاء المؤسساتي بحكم غياب الكفاءات التثاقفية والعلمية والبيداغوجية لكل الأطراف؟ هناك معاناة نفسية لم تتم دراستها إلى حد هذا الاستجواب الكريم من طرف المؤسسات الوصية على ملف المهاجرين؛ هناك أمراض قد أسميها أمراضا هجروية تمظهراتها تتجلى في الانزواء داخل جيتوهات وعلى الذات، تمظهرات التباكي للتنفيس عن النفس المقهورة، تمظهرات تعتمد على تسويق أدوار الضحية والإيمان بنظريات المؤامرة. هذه الوضعية أراها وضعية غير صحية علينا تداركها كإخصاييين. ولقد كتبت مقالا أخيرا أشير فيه إلى أن هجرة مغاربة العالم لم تنل حظها من دراسات العلوم الإنسانية وهذا ما كنت أقصده بالضبط.
فشل في الاندماج هو في تصوري فشل للمجتمع برمته وفشل يؤثر على التنمية الاقتصادية وأعتبره مكلفا لألمانيا وللمغرب على حد سواء.

صدور قرار جديد من السلطات الألمانية بضرورة تعلم الأئمة للغة الألمانية يعني أن الجالية الدينية بالمهجر مازالت تعاني من مشاكل الاندماج؟
اللغة أو اللسان أداة ضرورية لكل تدافع و تواصل. فالقرآن الكريم سطر ذاك عندما نقرأ قوله تعالى “وعلم آدم الاسماء كلها” أو عندما نقرأ “و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.” صدق الله العظيم. فهناك دراسات عديدة تجاوزت فهم التواصل على أنه تلفظ بل إلى الوقوف على لغة الجسد و تعبيراته: البيان بلا لسان! فالتواصل بكل أنواعه يبني الثقة ويحقق الفهم والتفاهم ويزيل اللبس والالتباس. باللغة نبني وباللسان نحقق علاقات وبالكلام نشكل قنوات علائقية مع الإنسان والمؤسسات.. وأنا هنا أفصل بوعي بين اللغة ككفاءة واللسان والكلام كإنجاز وبيان وتبيين.
فالسلطات الألمانية قد انتبهت إلى هذا الإشكال والمتمثل في ضرورة اكتساب اللسان الألماني لتحقيق اندماج في المجتمع وقامت منذ سنوات في إصدار وخلق برامج لتعليم اللغة وفي كثير من الأحيان بالمجان لضمان أكبر عدد من المتعلمين.. لكن ذلك لم يحقق صدى كبيرا في أوساط الفئات المستهدَفة. وبعد مدة قررت الدفع بهذا المطلب ليصبح إجباريا على الطلبة وعلى الأفراد الذين يريدون الالتحاق بأرواحهم وزوجاتهم في إطار التجمع العائلي. ومؤخرا انتبهت إلى أمر دعم كفاءات السادة الأئمة لكي يكتسبوا مهارات لغوية كي يتواصلوا مع الشباب الذي يزور المساجد بحكم أنهم لا يتكلمون إلا الألمانية والتواصل معهم باللغة العربية الفصحى لن يحقق المنال. تعليم السادة الأئمة اللغة الألمانية يدخل في برنامج استباقي لمواجهة التطرف والسقوط في براثنه حيث تعاني ألمانيا الأمرين من وضعية التطرف اليميني/العنصري والتطرف الديني الإسلامي أو ما يصطلحون عليه ب”السلفية الجهادية”. لهذا رأى المنظرون والاختصاصيون والخبراء أن المسجد والإمام جزء من الحل وليس جزء من المشكل وسارعوا إلى تكليف الجامعات والكليات وتمثيليات المساجد بخلق شراكات في برامج تحتضن تقديم دروس في اللغة الألمانية والثقافة السياسية والدينية الألمانية.
وأنا شخصيًا أنادي بتعلم اللغة الألمانية وأساعد السادة الأئمة في إطار عملي التطوعي والمؤسساتي لكي يلجوا سلك تعلم اللغة والثقافة الألمانية كي يتمكنوا من تقديم خطبا يوم الجمعة ووعظا وإرشادًا يتماشى مع الواقع ويلبي قضاء المصالح ويخدم الكليات الست المعروفة.

إذا تطرقنا إلى إحراق العلم المغربي مؤخرا في مدينة باريس ربما يطرح إشكالات عميقة حول قضية المهاجرين المغاربة، قد يفسره البعض في فشل السياسات المتبعة في معالجة قضايا الهجرة..
أعتبر إحراق العلم المغربي وإحراق علم أي دولة جريمة تنمي على غياب الرشد والحكامة. فهذا نشوز للاستفزاز وإحراق علم وطننا هو طعن في السيادة، في الذات، في دماء الشهداء والمجاهدين والمجاهدات الذين حملوا هذه الراية ودافعوا عنها وعليها في كل المحافل.
نعم، وقع لنا حرج كبير كمتابعين ومتتبعين لملف مغاربة العالم في كل البقاع وطرحت السؤال مثلكم عن الغايات والأسباب التي تجعل مواطنا يقوم بهذا الفعل البدائي الغير المتحضر.حاولت فهمه خارج أي سياق و لم أستصيغه إلى اليوم ولم أتمكن من ايجاد تخريجة له. فهل ينفع التنديد بهذه الجريمة النكراء؟ أم نقف وقفة المحللين ونتساءل عن الخلل؟ أرى أن تلك العملية لا تحظى بأن نخصص لها وقفة الحائرين، بقدر ما أعتبرها حالة منفردة ومعزولة ولا تمثلنا كمغاربة العالم لا في ماضينا و لا حاضرنا ولا مستقبلنا المعيشي .
المغرب ولله الحمد فتح مجالات عدة للتعبير عن الرفض والاحتجاج لكن داخل الاعتراف بالثوابت واحترام المرجعيات والتي بدونها لا نعتبر أنفسنا مواطنين ومنها العلم الوطني المقدس. أعيش في ألمانيا لأزيد من ربع قرن ولم أقف مرة في احتجاجات إخواننا الألمان على حرق العلم الوطني لما يحمل من دلالات. على جمعياتنا رغم ذلك تقديم دروس في التربية المدنية والوطنية والقيم إلى جانب دروس اللغة العربية وتحفيظ القرآن حتى نقوي مناعة فلذات أكبادنا ضد أي تيار ناسف.

هل بالفعل يمكن الحديث عن انفصام فئة من المهاجرين المغاربة عن هويتهم الحضارية، وربما حتى الوطنية؟ أم أن الأمر يتعلق بردود أفعال ضد سياسات البلدان الأصلية؟
صعب الرد عن هذا السؤال بإيجاز و بنعم أو بلا! الانفصام حالة مَرَضية تصيب الفرد وتصيب المجتمع على حد سواء، وهي حالة خطيرة جدا يحتاج فيها المريض إلى حصص علاجية وإلى مواكبة وإلى تعويض عن النواقص.
مغاربة العالم و لله الحمد يتوفرون على شخصية قوية وإلا لما تحدثنا على وجود مغربي لأزيد من ستين سنة في المهجر ونحن نعيش تزايد بناء المساجد لحفظ الهوية ونعيش ارتباطهم بالوطن وما التحويلات المالية إلا مؤشر منفرد داخل عدة مؤشرات! مغاربة العالم لهم حس ووعي فطري مكنهم من مواجهة الانفصام بشكل قوي ودون أي دعم مؤسساتي. هناك بعثات دينية للوعظ والإرشاد تقوم بها وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية في شهر رمضان لتحقيق دعم روحي وتربية عقدية منسجمة، لكن تبقى مناسباتية مرتبطة بشهر رمضان. أنادي في هذا المنبر بتنويعها وبجعلها على طول السنة وبخلق منابر قارة في ألمانيا بتعاون مع المجالس الوصية والوزارات المكلفة بملفنا. فلا يُعقَل أن نبقى عرضة للتيارات الخارجية القادمة من الشرق من الإمارات أو السعودية ومغاربة العالم ظهرهم عار من أي دعم مؤسساتي. أقول هذا بوعي وبصدق والمغرب ولله الحمد يحظى باعتراف لمنهجه التدبيري للدين والتدين في مؤسسة محمد السادس لتكوين السادة الأئمة والوعاظ والواعظات ولمذهبه المالكي والطريقة الأشعرية التي لها تجربة كونية في الأندلس وفي إفريقيا وحافظت على الانسجام والسلم والسلام في مجتمعات متعددة الإثنيات والمرجعيات. لنا اعتراف بإمارة المؤمنين كإمارة تهم المؤمنين من مسيحيين ويهود و مسلمين. ولهذا أرى أننا أصحاب قضية وكيان ومنهج ناجع وعلينا فقط تنزيله كي نواجه أي تسيب أو انفصام.
مغاربة العالم في ألمانيا ينفقون الغالي والنفيس للحفاظ على مغربيتهم وعلى إنتمائهم كذلك لألمانيا بصفتهم مواطنين ألمان. ألمانيا الآن تنادي بتنزيل “إسلام ألماني”. وتسهر وتسخر ميزانية لهذا التنزيل في إطار خلق مجالس استشارية وندوات ومؤتمرات وبرامج، تحاول اعتماد بنود دستورية لتدبير الدين والتدين وتبحث عن ممثلين وممثلات تتوفر فيهم المشروعية والتمثيلية خصوصا بعد استقبالها لمليون لاجيء سوري وعراقي ومسلمين من دول أخرى. تحتاج هذه التمثيليات إلى سند ودعم لأن المشعل سيقدم إلى شباب، هذه الشريحة تحتاج إلى توعية وتحتاج إلى احتضانها لإيمان بالوطن المغرب وألمانيا لكي تحافظ على الثوابت والمرجعيات كي لا تعيش الانفصام.

تنظيم مسيرة ضد الاسلاموفوبيا أو ضد الكراهية بباريس تعتبر خطوة إيجابية، إلا أن هناك من يعارضها من المجتمع الغربي، خصوصا بعد تسجيل تنامي الكراهية ضد الرموز الدينية الإسلامية، فهل يعكس ذلك فشل المسلمين في التكيف مع مجتمعات أخرى وفي تمثيل نموذج إسلامي حضاري مندمج مع الغير؟
بعض المظاهر من الرفض أو القبول لا يمكن إعطاءها ومنحها حسب تصوري طابع المؤشر الموضوعي الذي نقيس به تموقع المخيال الشعبي والمجتمعي والرأي العام والتموقع. فالتظاهر ضد الكراهية هو فعل صحي يدل على الوعي الكوني الإنساني بمخاطر الكراهية والإقصاء؛ مسيرة ضد الاسلاموفوبيا هي مسيرة تتماشى مع فلسفة الديموقراطية وأركان الإيمان التي يجب أن يتوفر عليها أي مجتمع مدني بغض النظر عن مرجعيته الدينية أو الثقافية أو الإثنية. لهذا أنا لا أصفق فرحًا لهذه المسيرات بقدر ما أراها نتيجة قياس نبض الشارع ودرجة قياس وعي المجتمع وأفراده. يرتديني الألم والإحساس بالانتكاسة حين نقف متفرجين على العنف الممارس ضد الآخر، يصيبني الذهول والخوف حين تُحرَق ملاجىء اللاجئين، حين يتم تعنيف الفتيات المرتديات للحجاب وحين يتم إقصاؤهن من ولوج سوق العمل أو الدراسة لارتدائهن خرقة ثوب على رؤوسهن.
تنامي الكراهية ضد الاجانب عمومًا والمسلمين خصوصًا وتقوي الاسلاموفوبيا وصعود اليمين ليس بسبب فشل المسلمين في التكيف مع المجتمعات الأخرى! بل يعود إلى فشل سياسات الاندماج وقصور الاعتراف بهذا الآخر الذي أصبح جزء لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية. في اعتقادي تعاني أوروبا من أزمة هوياتية ضاربة في أعماق التاريخ وإذا لم تتدارك علاج نفسها ستعيش انتكاسة ثقافية خطيرة.. فأوروبا أبقت على انتمائها المسيحي/اليهودي دينيًا والروماني ثقافيًا وأهملت الرافد الإسلامي! فهل يُعقَل أن نتحدث عن ديانات إبراهيمية دون استحضار الإسلام كدين و حضارة وثقافة واستحضار المسلمين كحاملين لهذه الحضارة وكوعاء تاريخي لا يمكن استئصاله البتة. الانتكاسة التي أتحدث عنها والتي تعاني منها أوروبا هي تلك التي نعيشها مع شباب ثوري، شباب مسلم خرج في الشوارع في مظاهرات ضد العنف رغم أنه ولد وترعرع ويحمل جنسيات هذه الدول ولا يتكلم إلا لغاتها، شباب فضل العيش بنموذج وتصور حياتي متطرف والتحق ببؤر التوتر في سوريا والعراق وبكتيبات “داعش” وما يسمى ب”الدولة الإسلامية”.. شباب فضل الانتحار والموت عن الحياة! هذا ليس سببه المسلمون أو سببه عدم اندماجهم بقدر ما له مسببات أحمل المسؤولية فيها إلى المؤسسات الوصية عن الاندماج وأحمل المسؤولية فيها إلى وزارات التربية والتعليم لهذه الدول الأروربية وأحمل فيها المسؤولية إلى كل من سعى أن يتبنى معنا نموذجا اندماجيا بمقاربة أمنية فقط! بمنطق الخوف من المسلمين! بمنطق أن الإسلام دين عبث! دين فوضى! دين عنف! دين فلكلوري فقط! كل هذه المقاربات خلقت “شارلي ايبدو” وقتل “فان كوخ”! ومكنت البعض من تبني فكر أصولي متطرف!
نعم! نتحمل كمسلمين جزء من المسؤولية وكممثلين في جمعيات ومساجد حيث إنه تنقصنا كفاءات داخل هذه اللجن، تنقصنا بنيات التواصل مع المؤسسات وتنقصنا تصورات للتعامل مع الإعلام لتسويق نموذجنا التنموي الديني والثقافي.. لم نعرف كيف نخلق التشاركية في تحقيق ذات مسلمة ثقافية! التزمنا الاجترار بحكم أننا نعمل فقط بشكل تطوعي على حساب وقتنا وأسرنا وصحتنا! لهذا علينا إعادة النظر في هذه المقاربة وخلق تشبيك قوي ولوبي ووزن من خلال بناء الأحلاف مع الأحزاب السياسية وأن يكون لنا فكر ونهج مقاولاتي في تدبير ملف مساجدنا و تديننا ..
حوار “دين بريس”
ــــــــــــــــ
من هو محمد عسيلة؟assila  - دين بريس
من مواليد مدينة الرباط في 27 ماي 1963، درس بحامعة محمد الخامس، حاصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها، التحق بألمانيا سنة 1986 كموظف إطار تربوي تابع لوزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية في اطار بعثة إلى عدد من الدول الأوروبية. بعد ذلك احتضنته مؤسسة الحسن الثاني كأستاذ لتعليم الثقافة والحضارة المغربية واللغة العربية وبعد ذلك التحق بالنظام التعليمي والتربوي لوزارة التعليم والتربية والتعليم العالي الألمانية.
يشتغل الآن في سلك التدريس والتعليم بصفته أستاذا محاضرًا بالمدرسة العليا للعلوم الاجتماعية التطبيقية بكولونيا وبالمدرسة العليا للوظيفة العمومية (قسم الكفاءات) بدويسبوغ.
يشتغل كذلك كمستشار ثقافي واجتماعي بالولاية ومحاضرًا لدى عدة مؤسسات في مواضيع الاندماج والهوية والانتماء وقضايا تهم التطرف والمجتمع والتعامل مع الاختلاف وخلق علاقات تشاركية مع المساجد.
يشتغل في العمل التطوعي كعضو المجلس الأعلى للمسلمين وبهذا يمثله في المجلس التنسيقي الجامعي بكلية بادربون لتزكية البرامج الجامعية واختيار الاساتذة الذين يدرسون العلوم الإسلامية.
مؤسس لجمعية العائلة المغربية للثقافة والشباب ورئيسها، وهي جمعية تحتضن أزيد من 200 أسرة، تقدم دروسًا للتلاميذ في اللغة العربية والقرآن الكريم و تسهر على مواكبة الشباب في أوقات فراغهم حيث تقدم برامج رياضية لفريق من عشرين شابا.
وتسهر الجمعية على تقديم برامج تهم فئات عمرية مختلفة من الجيل الأول والنساء والشباب وتحاول أن تكون سقفًا روحيًا حاضنا للأسرة المغربية في هذه الديار.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.