عبد الله بوصوف: خطاب إفتتاح البرلمان موعد دستوري مع نُور الأمل

دينبريس
2020-10-10T10:30:20+01:00
آراء ومواقف
دينبريس10 أكتوبر 2020آخر تحديث : السبت 10 أكتوبر 2020 - 10:30 صباحًا
عبد الله بوصوف: خطاب إفتتاح البرلمان موعد دستوري مع نُور الأمل

عبد الله بوصوف ـ الأمين العام للجالية المغربية بالخارج
ليس خافيا علي أحد أن الخطابات الملكية تتم وِفْق مواعيد دستورية، وليس خافيا على أحد الأهمية السياسية والتشريعية والدينية لخُطب أمير المؤمنين، كما أنه ليس خافيا على أحد ما تتميز به كل خطب الملك محمد السادس، من قوة في التشخيص والواقعية والمكاشفة، مع طرح البرامج والاستراتيجيات.

لكن الجديد في الخطابات الملكية في زمن جائحة كورونا، أي خطابات العرش (30 يوليوز)، وثورة الملك والشعب (20 غشت)، وافتتاح الدورة التشريعية الأخيرة للبرلمان في الجمعة الثانية من أكتوبر، وقبل انتخابات 2021، كان ـ الجديد ـ هو الرفع من قوة الواقعية، وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، لأن جلالة الملك يُخاطبنا جميعا كأفراد من العائلة الكبيرة للمغرب..

وهو ما يفرض الكثير من المكاشفة والصراحة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية والنفسية… بشكل جماعي مسؤولين ومؤسسات ومجتمع مدني وأفراد.

فلسنا في حاجة للتذكير بالقرارات الملكية الحاسمة والحكيمة التي حملتها الخطابات الملكية قبل الجائحة، وكَشْفِها للعديد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية.. وخلق لجنة خاصة للنموذج التنموي الجديد.. لكن جائحة كورونا ساعدتنا “مَجَازا”، على كشف العديد من الاختلالات العميقة خاصة على المستوى الاجتماعي والتغطية الصحية والقطاع غير مهيكل.. وغير ذلك..

لذلك، خصصت الخطابات الملكية الأخيرة ـ في زمن كورونا ـ مساحات واسعة للمجال الاجتماعي، سواء على المستوى الاستعجالي، كخلق صندوق خاص لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، خُصصت موارده لشراء المعدات الطبية الضرورية، وتقديم مساعدات مالية للفئات الهشة التي فقدت مصدر عيشها.. بالاضافة إلى قرارات التأجيل أو الإعفاء من بعض الاداءات أو الالتزامات، هدفها هو تخفيف كاهل بعض الأسر ومساعدتهم في زمن الحرب على كورونا.

أو على المستوى المتوسط والبعيد، كتعميم برنامج التغطية الصحية الإلزامية لجميع المغاربة.. وإطلاق خطة الإنعاش الاقتصادي للرفع من القدرة التنافسية والحفاظ على مناصب الشغل.. وأيضا إحداث وكالة وطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية في إطار الحكامة الجيدة.

وقد استحضرت تلك الخطابات الأهمية القوية للجانب النفسي في ربح أي رهان و ربح أي حرب.. لذلك فقد دعا خطاب ثورة الملك والشعب إلى استلهام قيم ومبادئ ملحمة ثورة الملك والشعب التاريخية، في جهود التصدي لجائحة كورونا..

وهو ما يعني التحلي بالسلوك الوطني والرفع من التعبئة واليقظة والمساهمة في تأطير فئات المجتمع والالتزام الجماعي للنضال من أجل الانتصار في الحرب على كوفيد 19، كما انتصرنا في معركة الاستقلال.. وذلك بعد أن لُوحظ شيء من التراخي في الالتزام بالتدابير الوقائية في زمن كورونا، لذلك فقد نبه خطاب ثورة الملك والشعب “إن المعركة لم تَنْتَهِ بعد.”، وقد حملت هذه العبارة توصيفا عميقا للمرحلة، وعنوانا كبيرا لقراءة واقعية في حرب المغرب ضد كوفيد19.

جلالة الملك وهو يخاطب أفراد أسرته الكبيرة، كان أول المُلتزمين بالتدابير الوقائية، باعتباره رئيس الدولة وأمير المؤمنين والقدوة لجميع المواطنين، لذلك فقد كان يُظْهر ذلك، سواء من خلال حمل كل من ولي العهد الملكي الأمير مولاي الحسن، والأمير الملكي المولى رشيد، للواقيات الصحية (الكمامات) أثناء الخطابات الملكية، أو من خلال إلقاء خطاب افتتاح البرلمان يوم 9 أكتوبر 2020، ليس من مقر البرلمان ولكن عن بُعْد، انطلاقا من القصر الملكي، في إشارة دالة على أهمية الالزام بالتدابير الصحية وأن المعركة لم تنته بالفعل.

وكالعادة فقد تضمن خطاب الجمعة الثانية لشهر أكتوبر من سنة 2020، درسا جديدا في التواصل، وكان امتدادا طبيعيا لفلسفة وروح خطابات زمن كورونا، بمعنى أوضح أنه رسخ التوجهات الإستراتيجية في جانبها الاجتماعي، أي الوصول إلى التغطية الاجتماعية في أفق سنة 2022، وتعميم التعويضات العائلية وتوسيع الانخراط في نظام التقاعد، وتعميم الاستفادة من التأمين على فقدان الشغل.

أو في جانبها الاقتصادي، من خلال خطة إنعاش الاقتصاد وصندوق الاستثمار الاستراتيجي أي “صندوق محمد السادس للاستثمار”، والذي سيلعب دورا رياديا في مجالات النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص، بالاضافة إلى دوره في مجال إعادة هيكلة الصناعة والابتكار، والقطاعات الواعدة والمقاولات الصغرى والمتوسطة، والبنيات التحتية والفلاحة والسياحة.

ولأن الحرب على كوفيد 19 تتطلب تعبئة وطنية شاملة، فإن ذات الخطاب تضمن دعوة لكل المؤسسات والفعاليات الوطنية وفي مقدمتها البرلمان الى الارتقاء الي مستوى تحديات المرحلة و تطلعات المواطنين، وقبله دعى الحكومة الى مراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين في المناصب العليا، معايير تحتكم الى الكفاءة وتجعل الوظيفة العمومية اكثر جاذبية، في إطار الحكامة الجيدة مع ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ورغم صعوبة الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يمر بها المغرب في حربه على الكوفيد 19، فإن الخطابات الملكية لم تخلو من جرعات الأمل في مستقبل واعد، و في الأمل بإمكانية الانتصار الجماعي والتحدي الجماعي في إطار الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي، لأن النجاح إما أن يكون جماعيا لصالح الوطن والمواطنين أو لا يكون.

مسؤولية القائد في الحرب ليست فقط وضع الخطط والتصورات والاستراتيجيات، لكن أيضا حشد الهمم والتحفيز والتبشير بالنصر القادم، وهو ما تضمنته كل الخطابات الملكية في زمن كورونا، فقد تضمنت التشريح والتشخيص الواقعي والمكاشفة بالمعوقات ثم طرحت خُطط النصر واستراتيجيات ما بعد الحرب، ودون نسيان التبشير بالنصر القادم ونُور الأمل في مغرب ما بعد زمن كورونا، لذلك فقد كانت خاتمة كل تلك الخطابات الملكية آيات قرآنية عميقة ودالة كأن “سيجعل الله بعد عسر يُسْر..” و”لا تيأسوا من روح الله”.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.