ذ محمد جناي
مع اشتداد وطأة انتشار الوباء العالمي «كوفيد 19» الذي اجتاج العالم، ولم يفتك بأرواح البشر فحسب، بل ضرب اقتصادات العالم وأعاد رسم المشهد الدولي، نجد العالم في الوقت الحالي، يسابق الزمن من أجل الوصول إلى مصل فعال لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، حيث يعمل العلماء في كل مكان، على العديد من التجارب.
ومنذ خلق الله الكون شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن تتنوع صفات وسمات الناس ما بين المتأدب والقبيح، والطيب والشرير، والحسن والسيئ، ونقي السريرة وأسود القلب، وعليه، فالتاريخ سجل لنا نماذج كثيرة مضيئة فى الإنسانية والتضامن والفداء والنبل والمروءة والإيثار قابلتها نماذج قليلة مظلمة فى الانحطاط والقبح كشف عنها التاريخ الغابر و”عام الرمادة” نموذج مضيء للتكافل عند حلول الأوبئة والكوارث، فالراسخ فى التجربة الإنسانية أن الجوائح الكبرى حين تعم البشر تظهر إنسانيتهم الكامنة، وفطرتهم السليمة، وتوحدهم فى وجه البلوى والبلاء، وتظهر أيضا قلة انتكست فطرتها السليمة، وتاجرت بالأزمة سياسيا أو اقتصاديا.
ودائما الوقوف مع حاجات المنكوبين، والعيش مع معاناة الآخرين، يعتبرخلقا إنسانيا نبيلا، ومبدأ إسلاميا أصيلا، ومن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- المشهودة له قبل البعثة: أنه كان يحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق.
ففي العام الثامن عشر الهجري أثناء خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الراشدة ، حصل في المدينة والحجاز قحط عظيم دام تسعة أشهر، فسميت هذه السنة (عام الرمادة) لأن الريح كانت تسفي ترابا كالرماد، أو لأن الأرض صارت سوداء مثل الرماد.
واستمرت المجاعة تسعة أشهر بلغ فيها الجهد من الناس مبلغه، وغادرت قبائل العرب مضاربها ولجأت إلى المدينة علها تجد عند الخليفة ما يسد رمق أبنائها وعيالها، فأقيمت حول مدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخيمات وقد حوت أكثر من ستين ألف هارب من المجاعة والتي انقطعت بهم السبل.
أما أخبارعمر وقصصه مع هذه الخصاصة، وتلك المسكنة، فأمر لا ينقضي عجبه، وشيء يعز نظيره في تاريخ البشرية، ولعلنا نتلمس طرفا منها، فلاستقصائها مقام طويل.
كان أول إجراء اتخذه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إجراء شخصيا لكنه يمثل المرتكز الأول للانطلاق الراشد في معالجة الأزمة.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “تقرقر بطن عمر ـ أي أخرج صوتا من قلة الطعام ـ وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم على نفسه السمن، فنقر بطنه بأصبعه؛ وقال: تقرقر تقرقرك؛ إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس”
فعمر رضي الله عنه مارس حالة من التقشف الذاتي بوصفه قائدا ومسؤولا حتى يحس بأوجاع تلكم الشريحة التي أنهكتها المجاعة من رعيته، وهذا انعكاس للهم الحقيقي بأمر الرعية.
امتدّ عام الرّمادة تسعة أشهر، وقد كان عمر رضي الله عنه يخطّط في حال اشتداد الأزمة أكثر وامتدادها بفرض ما يمكن تسميتُه “التوأمة التكافلية”.
يقول عمر رضي الله عنه: “والله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء؛ فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحدا”
فقد كان عمر رضي الله عنه يخطط على عقد توأمة بين كل أسرة لديها ما يكفيها من القوت مع أسرة تماثلها في عدد الأفراد تتقاسم معها قوتها اليومي المعتاد دون أن تزيد عليه شيئا، فإن طعام الواحد إن تم تقاسمه بين اثنين يحميهما معا من الهلاك.
وهذه التّوأمة التكافلية تنسجم تماما مع السياسة الأشعرية التي امتدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليها ثناء بالغا حين قال: “إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم.
إنّ تعميم هذه الثقافة في عام الكورونا سيكون له بالغ الأثر في العلاج العاجل وتخفيف الكثير من الآثار السلبية الاقتصادية التي يفرزها هذا الوباء الذي ألزم الناس بيوتهم.
إن الواجب اليوم على قيادات جمعيات المجتمع المدني تعميم هذه التوأمة التكافلية الأشعرية والعمرية حتى تغدو ثقافة عامة لا مجرد حالات فردية .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7871