دعت بعض الأصوات المجلس العلمي الأعلى إلى أن “يدلي بدلوه، وأن يبين للمغاربة الخيط الأبيض من الخيط الأسود” في الجدل المثار هذه الأيام في المغرب حول قضية الإجهاض، خصوصا بعدما تزايدت الدعوات المطالبة بعدم تجريمه، وعاد المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الخوض فيه من جديد.
لقد أدلى المجلس الأعلى بالفعل بدلوه في هذه المسألة وأصدر فتوى سنة 2009 وهي موثقة في كتاب منشور تحت عنوان “فتاوى الهيئه العلمية المكلفة بالإفتاء، 2004-2012″، وأجابت فيه الهيئة على مجموعة من تساؤلات الأشخاص والهيآت في 330 صفحة كاملة.
ما حصل حينها هو أن وزارة العدل كان مطلوبا منها التعقيب على ملاحظات لجنة حقوق الإنسان في إطار إعداد المملكة المغربية للتقرير الدوري السادس لإعمال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فراسلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ملتمسة منها أن تعطي رأيها في قضايا محددة يقتضي الأمر الإفتاء فيها من السادة العلماء.
فقامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من جهتها بتاريخ 08 يونيو 2009م بطرح تلك القضايا على المجلس الأعلى ممثلا في الهيئه العلمية المكلفة بالإفتاء، وهي المتعلقة بقضية “الإرث وطلب المساواة فيها بين الذكر والأنثى”، و”مسألة الطلاق ومطلب جعله بيد المرأة مثل الرجل”، و”زواج المسلمة بغير المسلم”، و”حرية المعتقَد والدين”.
فما الذي أفتت به الهيئة بخصوص قضية الإجهاض وإسقاط الحمل؟
تؤكد الهيئه العلمية المكلفة بالإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى أن قضية الإجهاض “وردت فيها نصوص شرعية، وبحثها العلماء قديما وحديثا، واعتبروه نوعا من الوأد، وقتل النفس والجناية عليها، وهو أمر محرم في شرع الإسلام، ويدخل في عموم النهي عن قتل النفس ظلما وعدوانا، المجمع على تحريمه في قول الله تعالى: “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” سورة الأنعام: الآية 151، وقوله سبحانه “ولا تقتلوا أولادكم خشية إمـلاق، نحن نرزقهم وإياكم، إن قتلهم كان خِطْئاً كبيرا” سورة الإسراء: الآية 31″.
وأضافت الفتوى: “ولم يقل الفقه بجواز الإجهاض وإباحته إلا في حالة قصوى متناهية، هي حالة الخوف المحقق على حياة الزوجة الأم وسلامتها، حيث “إن الضرورات تبيح المحظورات”، وتقَدَّر بقدْرها.
وكانت خلاصة هيئة الإفتاء على الشكل التالي: “ومن ثم فإن مطلب حرية الإجهاض على الإطلاق، أمر مخالف لشرع الله ودعوة إلى استباحة قتل النفس، المحرم شرعا وقانونا”.
وفي مجموعة الفتاوى نفسها (2004 ـ 2012) أجابت الهيئه العلمية المكلفة بالإفتاء على سؤال آخر ورد عليها سنة 2010 حول مسألة إسقاط جنين في الشهر السادس أفاد الطب أنه معاق”، فكان رأي الهيئة أن “الذي انعقد عليه إجماع العلماء القدامى من فقهاء المالكية وغيرهم، وكذا الفقهاء المعاصرون أنه لا يجوز إسقاط الجنين بعد نفخ الروح فيه، حين مرور أربعة أشهر على حمله، أي 120 يوما.
وكانت خلاصة الفتوى على الشكل التالي: “أن الإقدام على إسقاط الجنين في الشهر السادس من الحمل، والذي أفاد الطب أنه معاق، عمل محرم في الإسلام، ولا يجوز الإقدام عليه بحال، بإجماع العلماء قديما وحديثا، بل يحرم حتى قبل ذلك حين اكتمال خلقته بمرور أربعة أشهر على حمله ونفخ الروح فيه”.
واستثنت الهيئة حالة خاصة يمكن إسقاط الجنين فيها وهي: “حالة الخوف المحقق يقينا على حياة الأم إذا استمر الجنين في بطنها إلى حين تمام مدة حمله ووضعه، وكان ذلك بشهادة طبيبين مسلمين، أو غيرهما ممن يوثق به ويطمأن إليه في هذا المجال بصرف النظر عن كون الجنين سليما أو معاقا، فيجوز حينئذ، كما سبق ذكره”.
يشار إلى أن قضية الإجهاض أثيرت أخيرا بشكل حاد ونظمت وقفات احتجاجية تطالب بحرية النساء في تملك الأجساد وإسقاط ما في البطون، في حين توجد هناك جبهة معارضة لهذا التوجه تقول إن المسألة محسومة منذ سنوات وفق توصيات اللجنة الملكية المنتدبة للتحكيم في هذا الخلاف.
وكانت لجنة مشكلة من وزير العدل والحريات ووزير الشؤون الإسلامية ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكدت، في بلاغ صادر في الموضوع سنة 2015، أن الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع تحديد ثلاث استثناءات من العقاب القانوني هي: “عندما يشكل الحمل خطرا على حياة الأم أو على صحتها، وفي حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنا المحارم، وفي حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين”.
ويثار الجدل مرة أخرى في المغرب حول تقنين الإجهاض بعد مرور ثلاث سنوات على مصادقة الحكومة على مشروع قانون بهذا الخصوص وفق توصيات اللجنة الملكية، إلا أن هذا المشروع مازال لحدود الساعة لم يصادق عليه البرلمان ليخرج إلى حيز التنفيذ، ربما في انتظار ما ستسفر عنه ضغوطات الشارع والتقاطبات السياسية.
لقد سبق للمجلس الأعلى أن اعاد النظر في قضية “حرية المعتقَد والدين” في وثيقة تسمى “سبيل العلماء” أصدرها بمناسبة الدورة الثالثة والعشرين للمجلس، فهل ينطبق الأمر نفسه على قضية الإجهاض هذه المرة؟
أعده سعيد الراشيدي بشكل خاص لفائدة موقع دين بريس
المصدر : https://dinpresse.net/?p=5595