خديجة منصور
“الحقيقة لا توجد في الأشياء بل في علاقتنا وتجربتنا مع الأشياء”، من هنا ابتدأت الرحلة الجمالية والإبداعية للمبدعة والفنانة التشكيلية المغربية عائشة لحبوسي، أو كما يلقبها البعض “سيدة الصبار”. استطاعت عائشة من خلال تجربتها الجمالية محاكاة الطبيعة، وجعل نبتة الصبار عنوان إبداعاتها الفنية، مستلهمة منه شكله الخارجي والداخلي ومدى تحمله لدرجات الحرارة بالمناطق الصحراوية، فهاته النبتة تتحمل العطش والجفاف الذي قد يمتد لسنوات طويلة لكن فوائده كثيرة وغير محدودة.
قد يقترن الفن بكونه مهارة أو حرفة وصنعة عند البعض، وعند البعض اللآخر هو وسيلة للتعبير عن انطباعات وشعور داخلي وجداني مترجم إلى عمل جمالي واقعي، وقد تكون التجربة الفنية لعائشة لحبوسي نموذجا لترجمة معاناة داخلية إلى ابداع فني، حيث تقول عائشة:”ففي محنتي ورحلتي مع المرض لفتت انتباهي نبتة الصبار وأنا في المصحة، كنت أتأمل كل يوم الصبار وأحاكيه وأسأله ويجيبني، كان الصديق والرفيق وأنا على فراش المرض يمنحني الأمل والقوة لتحدي المرض، وقلت مع نفسي سأقاوم مثل الصبار”.
ألهمتني نبتة الصبار، فهي رمز الصبر والتحدي والأمل، وفي نفس الوقت أيقظت حسي الفني وأحيت موهبتي في الرسم التي نقلتها من لوحات تشكيلية وجسدتها في أعمال يدوية لنبتة الصبار.
قد يبحث المرء عن الصفاء وتطهير روحه من كل الشوائب والآلام ويجد ذاته في خلوة حقيقة ليصل إلى أسمى دراجات الزهد تاركا روحه في مناجاة الخالق وباحثا عن الجمال الحقيقي الخالص، إنها لحظة لا يستشعرها إلا المتصوف.
المتصوف يرى الجمال في مواطن يكاد لا يبصرها غيره ترقى إلى منزلة الروح الثابتة التي تنقل التجربة الروحانية إلى عمل فني جمالي، وهنا عن التصوف تقول عائشة: “التصوف يسعف المرء في البحث عن حقائق الذات ومعنى الوجود، والعالم، واللغة والموجودات، فهو بحث دائم عن جوهر المحبة والإخلاص لكل القيم الإنسانية الرفيعة، وأبدا لن أنسى البعد الفطري في الممارسة الصوفية كتجربة حياة، أقصد التعامل العفوي مع الطبيعة ومع الآخرين، وكذا ممارسة الواقع بروح متقشفة، سمحة، منفتحة لا تخلو من بعد جمالي وشاعري شغوف بالحياة والجمال”.
إن تقارب التجربة الدينية والفنية يولد إبداعا جماليا، فكمالية الصورة الفنية لأعمال لحبوسي تعتمد أساسا على الصوف، محاكية في ذلك الطبيعة المتجسدة في نبتة الصبار بأشكالها وأنواعها المختلفة.
ويبقى الفن رسالة إنسانية هادفة وليدة مخاض روحاني أنجبته لحظات سعادة، معاناة مرض، وقوة رافقت عائشة في مسارها الفني، ومنحتها الأمل لمغالبة الآلام الجسدية والنفسية، رافعة التحدي لمواصلة الابداع نحو حياة فنية جميلة.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=7589