أحمد جاويد ـ کابل / أفغانستان
على إثر الاشتباکات العسکرية التي اندلعت و استمرت لعدة ساعات صباح يوم السبت الماضي بين الطرفين الإيراني والأفغاني على حدود البلدين و بالذات في مديرية کنغ ــ درويشک من ولاية نيمروز الواقعة جنوب غرب أفغانستان ، کاد التقارب بين البلدين أن يواجه مصيره بسبب الاختلاف حول توزيع مياه سد هلمند الأفغاني الذي تصب مياهه في بحيرة هامون التي تمتد على طول حدود البلدين . و قد رجح المحللون أن الاختلاف مع أنه کان على الحدود إلا أن أصل الأزمة کان مياه هلمند التي کانت واحدا من ضمن بنود اتفاقية التقارب .
و قد لجأ الجانبان إلى استعمال الأسلحة الخفيفة و الثقيلة. و تضاربت الأنباء حول حجم الخسائر التي أسفرت عنها تلک الاشتباکات . فإيران أيدت مقتل 3 عسکريين . إلا أنه من المٶکد أن حجم الخسائر التي لحقتها کان أکبر من ذلک . فقد ذکرت بعض الجهات أن القتال خلف عددا من القتلى يناهز الأربعين في الجانب الإيراني غالبيتهم من أهالي المنطقة وقدرت عدد الجرحى بالعشرات . کما هوجم مرکزان للقوات الحدودية الايرانية .
وبعد تبادل الاتهامات، التقى أمراء قوات الحرس الحدودية للدولتين و شخصيات بارزة في الحکومتين للتباحث في دوافع الاشتباکات و تم بالتالي التوصل الى إعلان الهدنة . وصرحت إيران أن ضياع حصتها من مياه نهر هلمند کان هو العامل الأساسي وراء الأزمة. و حمل قاسم رضائي نائب قيادة الجهاز الأمني الداخلي حکومة طالبان مسٶولية تحرکاتها و أنها منافية للقوانين الدولية على حد تعبيره و شجع قواته على الدفاع الجريء و القتال المستميت لحماية التراب الايراني و السيادة الوطنية عليها . و في معرض حديثه عن الحادث أکد أحمد وحيدي وزير الداخلية الايراني أنها کانت مجرد اشتباکات لفترة قصيرة، و قد قامت قواتنا الحدودية بالرد المماثل على طالبان . و قد حلت المشکلة الآن و تم التوصل إلی التوافق مع طالبان. و عادت الأمور إلى طبيعتها و عم الهدوء، و حرکة التنقل أيضا أصبحت عادية.
و تباينت تصريحات المسٶولين الايرانيين أنفسهم بهذا الشأن بين التشدد و الديبلوماسية . مما يوضح أن الواقعة کانت بمثابة لطمة موجهة أيقظت الآيات. فهناک حکوميون آخرون أدلوا بتصريحات تتسم بالاعتدال من بينهم ´رسول موسوي ` ، الممثل العام للخارجية الايرانية في جنوب آسيا ، جعلوا النزاع باختلاف بسيط بين أطفال البيت الواحد و الأسرة الواحدة ، و أکدوا على تضامن الشعبين وتجنب الحرب لسلبيات ذلک على الشعبين . کما ألمحوا أيضا إلى تورط جهات خارجية في افتعال الأزمة . کل ذلک ترجيحا للحفاظ على ذلک التقارب السياسي و وضع حد سريع للتصعيد الذي قد يورط إيران في مأزق أفغاني الخروج منه أصعب من الدخول فيه . فالخروج منه بسلام مع حفظ ماء الوجه أفضل، وبخاصة إذا ما اعتبرنا الظروف الدولية الحرجة التي تعيشها إيران اليوم . فسيکون ذلک بمثابة انتحار لها و لفصائلها في العالم خاصة في شمال افريقيا و الشرق الأوسط . فهکذا يفکر هذا النظام في هذا البلد.
الخارجية الأفغانية التي أعلنت عن مقتل طالب و إصابة آخر بجروح، أيضا حملت من جهتها و بصورة مباشرة العساکر الإيرانيين مسٶولية المبادرة بإطلاق النار، و قالت إن البحث عن أعذار واهية لإشعال فتيل الحرب ليس بصالح الطرفين . کما صرحت أن هذه الواقعة سبقتها عدة اعتداءات من الجانب الإيراني على أهالي المنطقة . وقد شوهد تعزيز مکثف لقوات طالبان على الحدود تزامن مع وقوع الحادثة. وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية أن الإمارة الإسلامية ليس لديها أدنى رغبة في الحرب .
وقد استغلت بعض الجهات هذه الأحداث لأطماع شخصية ک “شاه زاده رضا پهلوي” ابن “محمد رضا پهلوي” شاه ايران السابق حيث اتهم نظام الآيات الحاکم بالتسبب في ضعف الجيش الايراني الذي يذوذ عن وحدة ترابه و يحمي الأمن في المنطقة .
وکأحمد مسعود قائد جبهة المقاومة و الذي قرأ بيتا لأحد الشعراء ” ألم أحذرک من الذهاب هناک ، و أنا صديقک الحميم ” ليفضح بذلک نفسه و والده و نظام الآيات . فقد عاب على الدولة الصفوية اختيارها الإقدام على سياسة التقارب مع حکومة طالبان بدلا منه . و قد کان هو و والده الأصدقاء الأوفياء و نسي مسعود أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهي السفن . فإيران اليوم في أمس الحاجة لهذا التقارب أکثر من حاجة طالبان إليه. و ذلک لضمان أمنها على حدود البلد الشرقية . فهي مهددة بعاصفة کانت متيقنة خفف من شدتها التقارب الأفغاني و السعودي ثم الخليجي على عکس ما يظنه الکثير من أن الأخيرين هم المستفيدون . فقد رفعت بعد هذه التقاربات نسبة الإعدامات إلى نسبة وصلت إلى 70% مما کان عليه الوضع سابقا . فبعد أن أمنت على نفسها من أفغانستان و دول الخليج تفرغت للإصلاحات الداخلية على طريقتها الخاصة للقضاء على الأنشطة المعادية للنظام . ويعتبر هذا التقارب مکسبا عظيما حققته لنفسها على حساب أهل السنة إذا ما اعتبرنا تهديد التقارب الاسرائيلي مع أذريبجان من جهة الشمال، مم اضطر النظام في طهران لاتخاذ مثل هذه الخطوة .
فمسألة مياه نهر هلمند والالتزام بمعاهدة عام 1973 م بين البلدين استُغلت و أُدرجت ضمن بنود الاتفاقية و الإشارة إلى أزمة الجفاف التي تهدد شرق البلاد کل ذلک تمويه للَفت أنظار الشعب إلى أن حکومته قادرة علی الدفاع عن مصالحه . ويدل علمُها أن موجة الجفاف قد عمت المناطق الحدودية للبلدين برمتها کما أن کمية المياه ليست کما کانت عليه إبان إبرام تلک المعاهدة .
لهذا کانت هذه الاشتباکات متوقعة حتى بعد توقيع اتفاقية التقارب بين البلدين والتي جاءت لتحقيق أهداف جيواستراتيجية مرسومة تخص کل بلد على حدة و تختلف أيضا في الدوافع و الأبعاد . فحکومة طالبان، نظرا لما تعانيه من جفاء سياسة التهميش المضغوط و المقصود في حد ذاته من المجتمع الدولي لإعاقة وصول أشعة النور إلى هذا البلد وإبقاءه على التخلف وإدمان الحروب المستنزفة للبنية الاقتصادية و الاجتماعية و بالتالي للثبات السياسي ، تحاول بعد استيعاب الدروس أن تسبح ضد هذا التيار بما هو متوفر من الإمکانات لتحقق القفز مثقلة إلى الأمام لتفادي و تخطي هذه الأزمة المنهکة المتربعة علی البلد .
فکانت سياسة حسن الجوار المتبادل مع دول المنطقة و التعايش في سلام مع الآخرين و الالتزام بالتعهدات ، من السياسات التي تبنتها في منهجها لضمان الاستقرار في المنطقة . فاضطرت لأجل ذلک لإبرام ما سمي سياسيا باتفاقية التقارب مع ايران لإنقاذ البلد من الوحل و للضغط على قرارات الغرب ليغير أسلوبها في التعامل معها . أيضا لأجل المصالح الأمنية و الاقتصادية و التجارية و تحسين وضعية الجالية الأفغانية المهانة و المقيمة في ايران . أيضا لوضع حد للحماية السياسية و المادية لقائد جبهة المقاومة في الشمال و غيره من المناوئين لحرکة طالبان و إحکام السيطرة على الطائفة الشيعية داخل البلد بضمان عدم تدخل ايران في الشٶون الداخلية لأفغانستان کاستعمالها لطائفة الهزارة أو السماح لغيرها من الأحزاب المعارضة المتواجدة في الخارج بالاستفادة من هذه الطائفة . فهذه بعض المکاسب المهمة ضمن استراتيجية طالبان من خلال الاتفاقية .
و رغم إعلان الهدنة، إلا أن أزمة المياه تبقى تشکل تهديدا مباشرا لاتفاقية التقارب نفسها إلا أن يرضى الجانبان الأفغاني و الايراني بما هو عليه الوضع الآن . و قد اتهمت ايران طالبان بعدم السماح لهيئتها للتأکد من صحة المعلومات بشأن تراجع منسوب المياه في النهر کما اتهمتها ببناء السدود و تغيير مسار المياه بل و عدم السماح لمياه الفياضانات بالوصول الى بحيرة هامون.
کما ادعت ايران أن تلک المعاهدة القديمة لم تخرج منذ إبرامها في سبعينيات القرن الماضي إلى حيز التنفيذ فلم تحصل إلا على کمية ضئيلة من المياه المقررة ، لا تفي بحاجياتها . وهذا يفسر أن المياه قد تصبح ورقة سياسية قوية للضغط و التوجيه خاصة و أن طالبان في حاجة إلى عوائد مالية لإنعاش اقتصادها . أما استعمال القوة و التهديد فلا يفيد في شيء. فالمعروف عن الأفغان أنهم يتقاتلون فيما بينهم بسبب الشجر و الحجر و المياه و محاکمهم ممتلئة بمثل هذه القضايا فکيف لو تعلق الأمر بغيرهم . فالذي يبدو أن الأمر سيکون جد محرج لايران و لغطرستها . و قد تکون نقطة تحول غير متوقعة و تغيير للموازين على الصعيد الداخلي ، الشيء الذي تخشاه حکومة الآيات و الحجج و جعلها تبحث عن التقارب مع ألد أعداءها من السنة الأحناف و السلفيين .
المصدر : https://dinpresse.net/?p=20217