محمد علي لعموري
بعد الهزيمة العربية أمام إسرائيل عام 1967 ، تم احتلال هضبة الجولان السورية وتم قضم القدس واحتلال صحراء سيناء المصرية.
بعد وفاة الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر بسبب داء السكري الذي فاقمته النكسة العربية وهزيمة مصر متزعمة محور الممانعة حينذاك ضد الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وقتها كانت مساحة فلسطين ورغم الإحتلال تتمتع بمساحات لم يتم قضمها بعد بواسطة سياسة الإستيطان التي تنهجها الدولة العبرية بشكل ممنهج لفرض الأمر الواقع مع الوقت حتى يصعب بالتالي المطالبة بإقامة دولة في ظل البلقنة التي فصلت الضفة الغربية عن قطاع غزة.
بعد رحيل جمال عبد الناصر ووصول نائبه محمد أنور السادات إلى رئاسة مصر ، أخذ على عاتقه استرجاع سيناء من الغاصب الإسرائيلي بالقوة ، وهكذا خاضت مصر حرب استنزاف عام 1973 سيتم بموجبها دحر العدو الإسرائيلي خارجا بعد أن حاقت به هزيمة مدوية لم ترق لمستوى هزيمة العرب سنة 1967 ، لكنها هزيمة مكنت مصر من المطالبة باسترجاع سيناء بواسطة القنوات الديبلوماسية والدينامية السياسية التي باشرها السادات بزيارة تاريخية غير مسبوقة إلى تل أبيب وإلقائه لخطاب السلام التي سيتمخض عنه توقيع إتفاقية كامب ديفيد وحصول مصر على سيادتها على كامل أراضيها.
عملية السلام التي مدتها مصر لإسرائيل بعد تأديبها بحرب غير متوقعة ، جرت على مصر غضب العرب مما نتج عنه مقاطعة مصر وتحويل مقر جامعة الدول العربية من مصر نحو تونس ، كما أن التيار الإسلامي بمصر تمكن من اغتيال الرئيس السادات..
لكن السادات كان أكثر العرب واقعية في زمن الشعارات الطنانة التي كانت تزعم القضاء على دويلة وسط العرب ، وقتها كانت السياسة النبيهة للملك الراحل الحسن الثاني تنحو منحى السلام مع إسرائيل من موقع قوة ووحدة وثبات على المبدإ ، وكان من الممكن انتزاع إجماع دولي على قيام دولة فلسطين باقتسام القدس بين فلسطين وإسرائيل…لكن سكرة الغرور لدى بعض القادة العرب أعمتهم عن قراءة دروس التاريخ وانتهاز الفرصة ، وهكذا ضاعت القضية الفلسطينية بين دهاليز البراغماتية السياسية التي نهجتها دول عربية كانت فقط تستعمل ورقة فلسطين لتلميع سياستها إقليميا أو داخل أوطانها أمام شعوبها التي يذغذغها الشعور الديني برمزية القدس وعدالة القضية الفلسطينية..
منذ ذلك الحين ، وبعد تدمير العراق ، وتفجير الوضع داخل سوريا وإسقاط نظام العقيد القذافي بليبيا ، وتحييد دور مصر منذ تكبيل قرارها السياسي بخصوص القضية الفلسطينية بواسطة إتفاقية كامب ديفيد ، لم نعد نسمع للقيادات العربية دور مؤثر بعد إنهاك الدول العربية الوازنة بما سمي بالربيع العربي وتخويف الأنظمة التي لم تطلها رياح التغيير ، تارة بفزاعة الخطر الإيراني مثل دول الخليج ، وتارة أخرى بتفجير الوضع بها بتأجيج النعرات القبلية أو الطائفية أو المذهبية داخلها.
اليوم ، أمام انشغال العالم بقضايا ذات طابع إقليمي مثل الازمة الليبية ، والازمة السورية التي لم تكتمل بعد ، والأزمة مع إيران ، وانشغال السعودية بحربها مع الحوثيين في اليمن ، وتأجج الحراك الشعبي بالجزائر والذي لم ينته بعد ، وأمام تآكل شعبية كل من الرئيسين الإسرائيلي والأمريكي ، يتم فرض سلام مسموم وملغوم على الفلسطينيين بعد ضمان صمت العرب وانشغال كل من إيران بلملمة جراحها بعد مقتل قاسم سليماني والعقوبات الإقتصادية المفروضة عليها ، وانشغال تركيا بالوضع المشتعل في ليبيا ، وحياد مصر ، ونفاق الدول الخليجية للأمريكيين والإسرائيليين ، وضمور الدور الذي كانت تلعبه كل من العراق ومصر وسوريا وحتى ليبيا بالأمس القريب دون نسيان المغرب الذي كان في عهد الملك الراحل الحسن الثاني منارة وقبلة للقمم العربية الوازنة ذات الشأن ، والتي كانت تتخذ فيها القرارات العملية ، لكن حين تحولت القمم إلى لقاءات للخطابة والفدلكة والتوصيات الجوفاء فقد أعرض المغرب عن لعب دور الراعي للقمم مع التحفظ عن انتداب تمثيلية وازنة فيها لعدم جدوى الحضور فيها من أساسه.
يجب رفض صفقة القرن التي يتم الترويج لها اليوم بأنها لا تراعي قرارات الأمم المتحدة ومصلحة الفلسطينيين وتريد بالتالي دمجهم لا كشعب في إطار دولة مستقلة، بل كسكان تحت الوصاية القانونية والسياسية والعسكرية للدولة العبرية التي تم إهداء القدس والجولان لها في عهد الرئيس الأمريكي ترامب.
صفقة القرن إلتفاف على القضية الفلسطينية بعدما تمت تصفية الصراع العربي الفلسطيني ، وعزل الفلسطينيين في قطاع غزة ، وإخراص الصوت الفلسطيني في الضفة الغربية بواسطة السلطة الفلسطينية نفسها ، وتهديد دول الخليج ، ومعاقبة إيران ، وإلهاء تركيا.. هكذا وبعد فشل محاولة تطبيق ما سمي وقتها بالشرق الاوسط الكبير الذي كان نسخة سابقة لإطلاق مشروع التطبيع بين العرب وإسرائيل ، تم تهييء الأجواء منذ اندلاع ” الربيع العربي ” عام 2011 لإضعاف ما تبقى من الدول العربية الكبرى ، قبل إطلاق صفقة القرن اليوم بوصاية أمريكية ومباركة إسرائيلية وضعف عربي مشهود.
فهل سيتحرك الشارع الفلسطيني مرة أخرى مدعوما بمقاومة فلسطينية/عربية/إسلامية؟ أم أن الهوان العربي بلغ مداه ولم يبق من العرب سوى الإستنكار والنحيب؟ وهل العرب اليوم أصبحوا مجرد ظاهرة صوتية كما وصفهم عبد الله القصيمي في كتاب يحمل نفس العنوان ؟
المصدر : https://dinpresse.net/?p=6673