منتصر حمادة
قليلة هي الأقلام النسائية البحثية في المنطقة، التي تتفوق في أفقها المعرفي، على الباحثة الإصلاحية، شيرين خانكان، وهي من مواليد 13 أكتوبر 1974 في كوبنهاغن لأب سوري وأم فنلندية، ومتزوجة من باكستاني الأصل، ملم باللغة العربية التي درسها، وله منها 4 أبناء. اشتهرت شيرين خانكان بكونها أول امرأة تعلن وترخص لنفسها الإمامة وخطبة يوم الجمعة، فهي حالة من إسلام يفصل الدين عن الدولة. خانكان امرأةٌ من أب سوري وأم كاثوليكيّة فنلندية، وهي كاتبة وعالمة اجتماع ديني وفلسفة، ورئيسة حركة “المسلمات النقديّات”، وهي منظمة تدفع نحو تطوير كفاءات قيادية نسائية. أسّست شيرين خانكان مسجدًا مخصّصاً للنساء في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن وسَمّتهُ “مسجد مريم”، وهو مسجد يحتل شقة مساحتها 250 متراً مربعاً في الطابق الأول من إحدى العمارات، وزُينت جدرانها البيضاء بآيات من القرآن الكريم.
أصل هذه الحكاية المرتبكة بالمسجد وبالتجربة الدينية لشيرين، مردها الشيخ محيي الدين بن عربي، حيث بدأت قصتها حين وقعت يوماً بكثير من الدهشة على مقولة الحكيم ابن عربي، والتي جاءت فيها أن “الرجل المثالي هو امرأة”، مُعتبرةً أن كلماته ليست بعيدة عن أفكار والدها، الذي، بحسب قولها، كان أول “نسوي” عرفته في حياتها، كما أكدت ذلك في كتابها الذي يحمل عنوان: “المرأة مستقبل الإسلام”، ولذلك لا تتردد في عقد عقود الزواج (أو النكاح حسب الاصطلاح الشرعي) في مسجد مريم، مع وجود اختلافات جلية مقارنة مع العقود الجاري بها العمل في المنطقة العربية مثلاً، ومن ذلك، أنه مع مشروع شيرين خانكان، لدى المرأة حق الطلاق، وثانياً، تعدد الزوجات ليس خياراً فيه، وثالثاً، في حالة الطلاق، تتمتع المرأة بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، وحضانة الأطفال يتشارك فيها الزوجان، معتبرة أن عقود الزواج في بعض دول العالم لا تتضمن حق المرأة في الطلاق، رغم أنه، بحسب قولها، حق قانوني تنص عليه الشريعة الإسلامية، فترى نساء “محتجزات” في زواج ديني بسبب عدم موافقة الرجل على الطلاق.
غالباً ما كانت شيرين خانكان تتخيل صوت جدّها وهو يقول في صباحات دمشق “الصلاة خير من النوم”، لكنها كفتاة صغيرة، كانت تصّور نفسها كطبيبة نفسية، لا كإمام مسجد عليه أن يكافح من أجل المُطالبة بالنسوية الإسلامية في المجتمعات التي ينهل جهازها المفاهيمي من العقلية الذكورية، في صورتها السلبية وليس الإيجابية.
تقول خان كان عن منهجها: إنه تجديد لا يقتصر على فكرة الفصل التي هي بحد ذاتها ليست جديدة في التاريخ المسلم المعاصر، فأهم ما في الأهداف الصريحة هو تحدي ما تعتبره البنى البطريركية الذكورية للمؤسسات الدينية، وإقامة حوار بين الدين والسياسة، حسب تقرير في “الواشنطن بوست”، بعد أيام على إقامة أول صلاة جمعة في المسجد الجديد، فإن “أقدم مسجد للنساء مستمر إلى اليوم يعود تاريخه إلى العام 1820 في الصين والباحثة والناشطة النسائية، أمينة ودود أمّت المصلين في أوكسفورد عام 2008، كما افتٌتِح “مسجد نساء أميركا” في لوس إنجليس للمصليات العام المنصرم” وتتولى فيه الخطابة يوم الجمعة داعيات مسلمات، فالسيدة خانكان ليست الإمام الوحيدة في عالم الأمس واليوم، بل حتى في مسجد مريم.
تلقي خانكان خطبة الجمعة وتؤم النساء للصلاة، فهي ترى أن كل من لديه معرفة وعلم يجب أن يشاركها مع الآخرين بغض النظر عن جنسه، وهي مؤمنة أنها تفعل ما كانت تفعله النساء في زمن النبي محمد، كما ترى أنه حان الوقت لكي “تحاول النساء المشاركة في إصلاح تلك المفاهيم”. تقول خانكان: لم أكن أبدا أتخيل نفسي أؤم النساء، لكن في أغسطس من عام 2001، قمت بتأسيس جمعية تسمى “المسلمين الناقدين” في الدانمارك، ومنذ ذلك الوقت بدأت أتفهم أهمية أن تقوم المرأة بالإمامة، وأهمية إعادة هيكلة المؤسسات الدينية بشكل عام، ولم تكن فكرة عارضة، بل كانت فكرة عملنا على دراستها خلال 15 عاماً الماضية.
ترى شيرين خانكان أن لقب “الإمام” حتى اليوم ينتمي للرجال حصراً، متوقفة عند تشكيلة من الأئمة في كل من الدول الإسكندنافية، والولايات المتحدة، وألمانيا، وجنوب أفريقيا، وكندا، من قبيل أنه “الشخص الذي يقود الصلاة”، أو “الشخص الذي يقود المسجد”، أو “الشخص الذي يُقدم عناية روحية إسلامية”، معتبرة أنه لدينا إشكالية مع السلطة الأبوية التي تسيطر على مجتمعاتنا، حيث يتمتع الرجال بالسلطة كاملةً، والسلطة الأبوية من منظور سلبي طبعاً، وليس من منظور إيجابي، على غرار التعامل مع المنظور السلبي للعقلية الذكورية.
طبيعي أن تحظى خانكان بقليل أو كثير تعاطف في الأوساط الإعلامية والسياسية الأوربية، بوصفها داعية “إسلام منفتح ومتسامح وتقدمي”، نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن صورة الإسلام هناك في الساحة الأوربية تتعرض للتشوه بسبب ما يصدر عن المشروعين الإسلامي الحركي و”الإسلاموفوبي” على حد سواء، لأن كلاهما يغذي الآخر، فالخطاب الإسلاموي يغذي الخطاب الإسلاموفوبي، والعكس صحيح، ونزعم أن كلاهما لا علاقة له بالوسطية المفترضة، عند المسلمين وعند الغربيين على حد سواء.
في الجدل السائد حول ثنائية العلم والعمل، انتصرت شيرين خانكان للخيار الجمع، حيث اشتهرت بتأسيس مؤسسة تجمع بين العمل النظري والعمل الميداني، في سياق مساعدة المسلمين في الساحة الدنماركية ومعها الساحة الأوربية على التفاعل مع العديد من التحديات التي يواجهونها، من منظور إصلاحي أو تنويري، أو على الأقل، يروم التنوير، وتمت تزكية ذلك عبر تأسيسها “منتدى المسلمات النقديات” في صيف 2001، مباشرة بعد نيل المؤلفة شهادة الدكتوراه في التصوف والعمل الإسلامي، مستلهمة التجربة من خلال زياراتها المتكررة إلى دمشق، وضمنت النواة الأولى للمشروع مجموعة من الفعاليات العلمية المسلمة المقيمة في الدنمارك، منها الطبيب خرام جبران والبروفيسور هنريك بلاشكي، وجاء التأسيس شهر بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن.
كما تستنكر شيرين تجاهل أئمة المساجد التقليديين “مسجدها”، قائلة إن أيا منهم لم يحضر تدشينه في غشت 2016، متمنية أن ينجذب الجيل الجديد من الشباب المسلم إلى خطبها، خاصة بعد أن أصبحت أحد الوجوه المحببة لوسائل الإعلام الدولية، بل إن شبكة “البي بي سي”، أدرجتها ضمن المائة امرأة الأكثر تأثيراً في العالم عام 2016، وليس صدفة أن يحظى هذا العمل والكد والنضال ببعض الاستشارات الرسمية في الساحة الأوربية، حيث أثارت شيرين اهتمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعاها في 26 مارس 2018 في سياق الاستشارة، على هامش سعي صناع القرار الفرنسي لتنظيم ومأسسة العمل الإسلامي، مع القلاقل الإسلامية السائدة هناك خلال العقدين الأخيرين على الخصوص الفرنسية، حيث التقت بالرئيس.
ما يهمنا نحن في السياق المغربي، على هامش هذا اللقاء بالذات، أنها صرحت برغبتها في أن تسهر على تنظيم مؤتمر دولي يضم كافة أتباع الأديان الإبراهيمية، والمعتقدات الوضعية، من أجل مناقشة قضايا الساحة، شرط أن يُنظم المؤتمر في دولة مسلمة، وليس في دولة غربية، مؤكدة، أنه من وجهة نظرها، الدولة المسلمة الوحيدة المؤهلة لاحتضان هذا المؤتمر الدولي، هي المغرب. منوهة بالمناسبة، بتجربة المغرب في تدبير الشأن الديني، وبحكم اشتغالها على المسألة النسائية في العالم الإسلامي، فقد نوهت أيضاً، بتجربة المرشدات الدينيات في الساحة المغربية، باعتبارها تجربة فريدة في المنطقة، وينبغي تأييدها وترويجها.
لشيرين خانكان ما يُؤخذ منها وما يُرد، على غرار جميع المشاريع الفكرية والعملية الإصلاحية لهذا الاسم أو ذلك، ولكن أخذاً بعين الاعتبار أنها امرأة، وأن النساء المجتهدات في الوطن الهربي والقارة الأوروبية الإسلامية قلة نسبياً، فمن الحري التنويه بما يصدر عنها، والاشتباك النافع مع اجتهاداتها بأدب وعلم وتواضع.