محمد علي لعموري
إنه حادث مؤلم في مغرب القرن الواحد والعشرين، مغرب يجمع متناقضات التقليد والحداثة، مغرب المخزن ودولة القانون، مغرب الثراء الفاحش لقلة متمركزة اقتصاديا وسياسيا، وأغلبية مسحوقة تعيش الفقر والخصاص والبطالة والجهل، مغرب المصالحة مع الماضي وعودة الشهادة من أجل الخبز، مغرب الوساطة والزبونية والمحسوبية والفساد الإداري وغياب تكافؤ الفرص، مغرب البناء العشوائي والسكن الإقتصادي الذي يحول المالك له إلى رهينة لدى الأبناء والقروض التي تطوق عنقه لعقود، مغرب التفسخ الأخلاقي وانحدار مستوى التربية وانحطاط التعليم والسمسرة والإستثمار فيه من أجل الربحية، مغرب المفارقات الفاحشة ما بين الإستثمار في البنيات والتفريط في الإستثمار في الإنسان وفي الذهنيات، مغرب الدعاية ل”لأجمل بلد في العالم” التي لا تنفع إلا سياحيا دون الحد من اتساع الهوة بين المغرب النافع الذي تتمتع فيه طبقة عليا ونخبة مرفهة، وبين المغرب المغبون الذي ترتع فيه القاعدة العريضة من أبناء الوطن داخل أحزمة الفقر والجهل والهشاشة الإجتماعية والفكرية، والتي تنجب لنا جيلا يائسا من وطنه حالما بالهجرة سبيلا للنجاة من وطأة الإنتظار، مغرب القضاء على الإرهاب بنجاحات مبهرة مع تصاعد عدد المغاربة الذين يرغبون في معانقة سبيل الشهادة ضد المصالح العليا للوطن بعد تبديل ولائهم للوطن بولائهم للجماعة ولمفاهيم طوباوية تصل حد الموت من أجل حياة أبدية في عالم المثل وجنة الخلد، مغرب الإنتصارات الديبلوماسية والخيبات الحكومية في تدبير الشأن العام وإيجاد حلول ناجعة لمشاكل وطنية تهم المواطن البسيط الذي صوت على من هم في الحكومة…الخ
هذا هو الواقع الأليم الذي أنتج لنا أنشطة صناعية غير نظامية تشتغل تحت الأرض بعيدا عن أعين الناس لكنها ليست بعيدة عن أعين السلطة، لأن هذه الاخيرة تعلم علم اليقين بكل شاردة وواردة، لكنها تتغاضى عن التدخل ما دامت الأمور تمضي خفية والكل مستفيد.
وكما فضحت أمطار الخير عيوب مدينة الدار البيضاء مؤخرا -أو إن شئنا الدقة عيوب المسؤولين وعيوب الشركة المكلفة بقنوات الصرف الصحي-تتكرر نفس الفضيحة بمدينة البوغاز التي تحوي أكبر ميناء بحوض المتوسط، وبها مصانع ضخمة، ولكنها تضم في باطنها وتحت الأرض مصانع سرية يشتغل فيها شباب ذو حاجة من أجل ضمان لقمة العيش، وفيها ستحل الكارثة وستفضح مياه الأمطار الغزيرة للمرة الثانية عيوب مدينة طنجة، وليتها اكتفت بالفضح ، بل أدى عمال ذاك المصنع ثمن الإستهتار بأرواح أبناء الوطن ممن قضوا تحت الأرض منهم شباب يافع وشابات في مقتبل العمر!
فمن المسؤول عن هذه الفاجعة؟ هل هو صاحب المعمل؟ أم السلطة المحلية التي كانت تضع أذنا من طين وأخرى من عجين حتى حلت الكارثة؟ أم المسؤولية تقع على أعوان السلطة الذين يغضون الطرف من أجل المال؟ وهل المعمل لديه رخصة وإذا وجدت فمن سلمها له؟ ومن المسؤول عن اختناق الشارع بتلك المياه دون أن تجد قنوات قادرة على شفطه دون أن يتسبب فيما وقع بذاك المعمل الذي قيل عنه أنه”سري”؟
أسئلة وغيرها تحتاج لإجابة؟ والتحقيق مهما كان دقيقا لن يعطي سوى تحديد مسؤولية جزئية لن تعالج أس المشكل وهو الفساد الإداري والرشوة والفقر الذي يستغله بعض أرباب العمل لاستغلال حاجة الشباب إلى الشغل كي يدفعوهم للقبول بشروط مجحفة لا تضمن للعامل كرامته وحقوقه.
هذا هو الواقع الذي لا يرتفع ، وهذا هو المغرب الذي نغار عليه بدون تزاويق، وهذه هي الحقيقة التي مهما حاول البعض منا تنميقها وتبرير وجودها فلن يستطيع الفكاك من قبضتها والتي تحتاج لوقفة تأمل وإلى معالجة جذرية حتى نستطيع الخروج من عنق الزجاجة والحيلولة دون وقوع كوارث أخرى في المستقبل.
المصدر : https://dinpresse.net/?p=13473