د. عماد فوزي شُعيبي. باحث من سوريا
بعيداً من الصراعات في السياسة التي تتخذ أشكالاً من خطط تقويض الآخر، وهذا ليس مقامَ بحثنا هنا. تبدو (المؤامرة) في العقلية الفردية والشعبية، والتي تتجلى في بعض قراءات التاريخ وفي بعض السلوك الوظيفي وفي سلوكات عائلية، إشكالية نفسيّة عميقة.
بشكل عام يفتقد منطق المؤامرة إلى مفهوم [الحدث] الذي يعني أسباباً وسياقاً وإلى مفهوم [الصراع] الذي هو دين ودينون الحياة عموماً. كما يفتقد إلى حس الترتيب الزمني وفيه مبالغة عن قدرة البشر على صنع أحداث سيئة كاملة نافذة التأثير، وكليّة القدرة.
يحقق الفرد وتحقق الجماعات، عبر نظرية المؤامرة [نكوصاً طفليّاً] في الحدّ الأدنى، إلى حالة التنصّل من المسؤولية خشية العقاب، وهي حالة متوارثة جرّاء التربية القاسية التي تعتمد العقاب الجائر، فتتنمط الشخصيات الفرديّة وتلك الجماعية على الهروب من المسؤولية إلى المؤامرة النافذة التي ترفع المسؤوليات وتحقق بديلها وهو [الضحية] التي تتناغم مع ثقافة [الشهادة] لتجعل الضحية شهيداً حيّاً يستحق التعاطف والشفقة والمؤازرة، ما يُوهم بأن كل من لا يفعل يُدان من منظور إنسانيّ!
المؤامرة في المنظور الفرديّ والجماعي، تُقارب البارانويا باعتبارها نوعَ ذهنية تتميز باعتقاد باطل راسخ يتشبث به المريض مصحوباً بهذاءات أو ضلالات (delusions) تبدو للوهلة منطقيّة.
وهو كاضطراب عقلي يتجاوز البارانويا التقليدية التي تنمو تدريجياً حتى تصير مزمنة، بأنه يبدأ كبيراً ونامياً بل ومزمناً بآن.
قوام بارانويا المؤامرة ترسيخ مفهوم الاضطهاد (persecution) فالموظف الذي يتعرض لتوبيخ أو فصل يرسخ مفهوم المؤامرة عليه على قاعدة الشعور بالاضطهاد، وهو شعور مردة إلى عقدة الخصاء ذات البعد الطفلي، ولهذا اعتبرنا نظرية المؤامرة فعلاً نكوصياً؛ لأنه فعل فيه صلة بالماضي الطفلي للأفراد، والذي بسبب شيوعه يتحوّل من [حالة] إلى [تيار] فيبدو النكوص الطفلي جماعيّاً.
والحالة هنا هذاء، لكنه ليس فصاماً، فهذاء المؤامرة لايجعل المرء أو الجماعات تنفصل عن الواقع، لكنهم يفسرونه طبقاً لما يساعدهم على تكريس الشعور بالاضطهاد فردياً أو جماعيّا.
الارتياب في الدوافع هو أداة التفسير التآمري، وهي وسواسيّة في أغلبها. فالحقد المُبيت هو رائز هذا التفسير ، لرسم صورة الضحية جرّاء التآمر المزعوم عليه. وبمرور الوقت تتحول حالته إلى هذاء اضطهادي.
وتقسم الهوامات إلى أنواع:
هذاء الاضهاد : وهو ما شرحناه سابقاً.
هذاء العظمة: كأن يعتقد المرء أنه شخصية مهمة أو تعتقد الجماعات أنها مختارة إلهياً أو أن دينها أو طائفتها أو منطقتها…بالغو الأهمية و النفوذ وأن العالم يتربص بهم بسبب من أهميتهم وخطرهم هم بالذات على العالم الذي يكون على التوازي مع ذلك عالماً لا أخلاقياً مُنحطّاً يريد الاستمرار في غيّه.
هذاء توهّم المرض : كأن تعتقد مجموعات بشرية أن تاريخها كان مجيداً بصورة لا مثيل لها وأنها في حالة مرض تاريخي وأن العالم يتآمر عليها للإبقاء على مرضها.
الهذاء السوداوي: يعتقد فيه الفرد أو المجموعات البشرية أن مصائبهم والكوارث البيئية والحروب، كلها حدثت بسبب اقتراف ذنب أخلاقي أو لاديني وأن العقوبة الإلهية قد حلّت لهذا السبب. وهنا يتنامى على التوازي مع كل هذا ، هذاء التلميح والهمس واللمز إذ يتوهمون أن النية الوجودية بأكملها سيئة، وأن الوجود والكون كلهما يتآمران على هذه المجموعة (البائسة) التي يستوجب عليها اعتزال الحضارات الأخرى حفاضاً على نقائيتها.