سعيد الكحل
خاض سيد القمني معركة التنوير، بكل شراسة وشجاعة وجرأة، خلال أربعين سنة متواصلة، في مواجهة التيار المحافظ وتحالف الإخوان والسلفيين التكفيريين. ويُحسب للمفكر القمني أنه واجه مخططات خصومه وأعداء الشعب المصري وكل الشعوب المسلمة في عقر دارهم، بسلاح الفكر العقل والمنطق.
لم يجرؤ واحد من منظري الإخوان والسلفيين على مواجهة سيد القمني بنفس سلاح الفكر والعقل للرد عليه وتفنيد أطروحاته. كل ما استطاع هؤلاء فعله للمداراة على عجزهم، هو لجوؤهم إلى سلاح التكفير عبر إصدار فتاوى تتهم سيد القمني بالكفر والمروق عن الدين ومعاداة الإسلام وإنكار معلوم من الدين بالضرورة.
هكذا كشف الراحل القمني عجز خصومه عن منازلته فكريا وتحداهم أن يدحضوا أفكاره التي بلورها في مشروع فكري تنويري أنار دروب ملايين الشباب في مصر وفي بقية الدول العربية والإسلامية، وحصّنهم من السقوط في شراك إيديولوجية الإسلام السياسي ومشروع تنظيماته وفصائله المناهض للدولة الحديثة وللقوانين المدنية ولحقوق الإنسان وعلى رأسها حقوق النساء والأطفال.
لم تستسغ مكونات هذا التيار ورموزه هزيمتها الفكرية أمام سيد القمني، فلجأت إلى التحريض على قتله رمزيا برفع دعاوى قضائية تتهمه فيها بالرّدة وازدراء الدين الإسلامي، وكذا ماديا بالتهديد بالقتل والتخطيط لاغتياله . وقد تلقّى تهديدات بالقتل لكنه لم يكسر قلمه ولم يبْلع لسانه.
ظل خصومه يتمنون له الموت بأي طريقة كانت، وشاءت إرادة الله أن تمدّ في عمره إلى أن سلّم مشعل التنوير لجيل من تلامذته، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. فكما كشف سيد القمني، وهو حي، عن خبث وخطورة تيار الإسلام السياسي على المجتمعات والحضارة الإنسانية والدولة المدنية، كشفت وفاته خسّة وخبْث هذا التيار.
ذلك أن مقدار الشماتة والفرح اللذين أظهرهما الإخوان والسلفيون بموت سيد القمني وما رافقهما من سبّ ولعْن، يكشف حقيقة هذا التيار وحقيقة ما تمور به نفوس أعضائه ومكوناته من كراهية مقيتة وحقد أعمى وعداء شديد لشخص أحب مصر وانتصر لحقوق المصريين بمختلف دياناتهم ، ولم يصدر عنه أدنى فعل يهدد أمنهم وأمن الوطن. فعبارات الشماتة التي فاه بها رموز التيار ونشرها الأتباع على صفحاتهم وحساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي تنم عن تطرفهم المقيت ومناقضتهم لتعاليم الدين الإسلامي وهدي الرسول الكريم(ص). إن الموت سنّة الله في خلقه وليس عقابا إلهيا أنزله الله على فلان وحمى منه علاّن.
إنه يمثل نهاية كل الكائنات الحية، وعلى رأسها الإنسان مصداقا لقوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) . ومن علامات خبث الإخوان أن كراهيتهم للقمني جعلت قلوبهم فظة غليظة لدرجة أفرحهم موتُه وأنساهم التدبر والاعتبار من الموت نفسه. كراهية تحرق نفوسهم وتجردها من مشاعر الرحمة والضعف أمام سنّة الله في خلقه. فالمسلم الحقيقي يهاب لحظة الموت وتغشاه مشاعر الرحمة فيدعو لنفسه وللميت بحسن الخاتمة والمغفرة . إلا أن الإسلاميين أثبتوا نقيض ما يدّعون من إيمان بالله وتمسك بتعاليمه.
إن الله تعالى لم ينصّب نائبا عنه مكلفا بالتمييز بين من يدخل الجنة ومن يدخل النار. فحتى الرّسُل، عليهم السلام، لم يجعل الله من مهامهم هذا التمييز، كما لم يمنحهم مفاتيح الجنة؛ بل ترك الحساب ليوم القيامة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (31: الزمر). وكما جاء في بيان دار الإفتاء المصرية ، فإن “الموت ليس مناسبةً للشماتة ولا لتصفية الحسابات، بل هو مناسبة للعظة والاعتبار”.
لكن أعضاء وأتباع التيار الإخواني السلفي لا حُرمة للموت عندهم إلا إذا أصاب فردا من ذويهم أو أتباعهم. إنهم بهذه الكراهية والشماتة لا يسيئون إلى سيد القمني الذي قال رأيه ورحل تاركا تراثا فكريا غزيرا لتستنير به الأجيال القادمة وتتسلح به في مواجهة مخاطر التيار الإخواني السلفي ومقاومة إستراتيجيته التخريبية للدولة وللمدنية؛ إنما يسيئون لأنفسهم وللدّين الذي جعلوا تعاليمه تحريضا على الكراهية والبغض والتكفير والقتل والإرهاب.
فسيد القمني، يكفيه فخرا وشرفا أنه لم يؤسس تيارا معاديا للوطن وللمدنية، ولم يشكّل خلايا إرهابية تعيث فتنة وتقتيلا وتدميرا في داخل مصر أو في خارجها . سيد القمني، كغيره من المفكرين ، واجه خصومه بالقلم والكلمة ولم يشحن أدمغة الشباب بعقائد الكراهية ولا علّمهم طرق صناعة الأحزمة الناسفة. بل علّمهم المنهج العلمي والتحليل المنطقي الرصين لتفكيك عقائد التكفير وإنقاذ الشباب من شراك التطرف والإرهاب . لقد اختار سيد القمني أن يكون جنديا يحمل سلاح العقل ويواجه بالقلم في ساحة الفكر دفاعا عن الشعب والوطن والمستقبل.
لهذا هدده أعداء الحضارة والإنسانية وخططوا لاغتياله، وها هم يشمتون بموته وكأنهم خالدون في هذه الدنيا. أنساهم حقدهم تعاليم الدين وأوامر الرسول الكريم (أذكروا موتاكم بخير) . فمن خستهم أنهم لم يعتبروا سيد القمني من “موتاهم”. فهم لا يؤمنون بالوطن حتى يعتبروا المرحوم منهم، وإنما يؤمنون بالجماعة والطائفة التي لا ولاء لها للوطن وللشعب.
لهذا تربّوا ويربّون الأتباع على معاداة الوطن والدولة ويدربونهم على تدميرهما. فبسبب العقائد التدميرية التي أشاعوها بين أتباعهم تشكلت الخلايا الإرهابية التي دمرت أوطانا وقتلت وهجّرت ملايين المدنيين الأبرياء من ديارهم وأوطانهم في العراق وسوريا واليمن وسيناء وليبيا ومالي وموزنبيق والصومال وبوركينافاسو والنيجر ونيجيريا والكونغو. من مدارس التيار الإخواني والسلفي التكفيري تخرّج عتاة الإرهابيين أمثال بن لادن والظواهري والبغدادي والزرقاوي والقرشي وشيكاو وغيرهم الذين ارتكبوا مجازر همجية لم تشهد البشرية مثيلا لها. قُتل رموزُ الإرهاب فبَكتْهم مكونات التيار الإخواني والسلفي التكفيري، مما يدل على أنهم منهم وهم من “موتاهم” .
إلى كل هؤلاء قال أبو الفيض الكتاني:
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا.
لقد صدق رسول الله (ص) لما حذّر من هذا الصنف من الدعاة ونهى عن إتباعهم لأنهم ( دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا).
وصدقت ابنة سيد القمني الدكتورة إزيس في تدوينتها التالية:
كنت أخشى عليه من بنادقكم
كنت أخشى عليه من محاكماتكم
لكنه غادر كما أراد هو
و نفذت الوصية كما أراد هو
بعد أن كبدكم خسائر لن تحصوها
بعدد كل سطر و كل كلمة و كل حرف كتبها..
بعد أن كشف قبحكم
و هزمكم هزيمة نكراء..
غادر كما أراد هو
ليظل في عليين..
المصدر : https://dinpresse.net/?p=16549